وإن الموافق له طبعا هو معرفة الله والنظر إلى وجهه، فلا يسكن نفسه إلى شهوات الدنيا ومن عرف الدنيا والآخرة ولذاتهما وعدم النسبة بينهما ثار في قلبه حب الله والرغبة إلى دار الآخرة والانزجار عن الدنيا ولذاتها، وإذا غلبت هذه الإرادة على قلبه صحت نيته في الأمور كلها، فإن أكل - مثلا أو اشتغل بقضاء الحاجة كان قصده منه الاستعانة على سلوك طريق الآخرة، واندفع عنه كل غرور منشأه تجاذب الأعراض والنزوع إلى الدنيا وإلى الجاه والمال، وما دامت الدنيا أحب إليه من الآخرة وهوى نفسه أحب إليه من رضاء الله، لم يمكنه الخلاص من الغرور. فالأصل في علاج الغرور: أن يفرغ القلب من حب الدنيا، ويغلب عليه حب الله، حتى تتقوى به الإرادة وتصح به النية ويندفع عنه الغرور. قال الصادق (ع): (واعلم أنك لن تخرج من ظلمات الغرور والتمني إلا بصدق الإنابة إلى الله، والإخبات له، ومعرفة عيوب أحوالك من حيث لا يوافق العقل والعلم، ولا يحتمله الدين والشريعة. وسنن القدوة وأئمة الهدى، وإن كنت راضيا بما أنت فيه فما أحد أشقى بعملك منك وأضيع عمرا، فأورثت حسرة يوم القيامة). (27) ومنها:
طول الأمل معنى طول الأمل ومرجعه - علاجه - ضد قصر الأمل - اختلاف الناس في طول الأمل - ذكر الموت مقصر للأمل - التعجب ممن ينسى الموت - الموت أعظم الدواهي - مراتب الناس في ذكر الموت.
وهو أن يقدر ويعتقد بقاءه إلى مدة متمادية، مع رغبته في جميع توابع البقاء: من المال والأهل والدار وغير ذلك، وهو من رذائل قوتي العاقلة والشهوة إذ الاعتقاد المذكور راجع إلى الجهل المتعلق بالعاقلة، وحبه لجميع توابع البقاء وميله إليه من شعب حب الدنيا. وجهله راجع إلى تعويله:
أما على شبابه، فيستبعد قرب الموت مع الشباب، ولا يتفكر المسكين في أن مشايخ بلده لو عدوا لكانوا أقل من عشر عشير أهل البلد، وإنما قلوا لأن الموت في الشباب أكثر، وإلى أن يموت شيخ يموت ألف صبي وشاب،