والتجربة شاهدان بأن من توكل عليه وانقطع إليه كفاه الله كل مؤنه. فكما أن شرب الماء سبب لإزالة العطش، وأكل الطعام سبب لدفع الجوع، فكذا التوكل سبب رتبه مسبب الأسباب لإنجاح المقاصد وكفاية الأمور. وعلامة حصول التوكل، ألا يضطرب قلبه، ولا يبطل سكونه بفقد أسباب نفسه وحدوث أسباب ضره. فلو سرقت بضاعته، أو خسرت تجارته، أو تعوق أمر من أموره، كان راضيا به، ولم تبطل طمأنينته، ولم تضطرب نفسه، بل كان حال قلبه في السكون قبله وبعده واحدا. فإن من لم يسكن إلى شئ لم يضطرب بفقده، ومن اضطر لفقد شئ فقد سكن إليه واطمأن به.
ومنها:
الكفران وضده الشكر الشكر - فضيلة الشكر - الشكر نعمة يجب شكرها - المدارك لتمييز محاب الله عن مكارهه - أقسام النعم واللذات - الأكل - لا فائدة في الغذاء ما لم يكن بشهوة وميل - عجائب المأكولات - حاجة تحضير الطعام إلى آلاف الأسباب - تسخير الله التجار لجلب الطعام - نعم الله في خلق الملائكة للانسان - الأسباب الصارفة للشكر - طريق تحصيل الشكر - الصحة خير من السقم.
* * * وبعد ما تعرف حقيقة الشكر، وكونه متعلقا بأي القوى، تعرف بالمقايسة حقيقة الكفران وكونه من رذائل القوى.
فنقول: الشكر هو عرفان النعمة من المنعم، والفرح به، والعمل بموجب الفرح بإضمار الخير، والتحميد للمنعم، واستعمال النعمة في طاعته.
أما المعرفة، فبأن تعرف أن النعم كلها من الله، وأنه هو المنعم، والوسائط مسخرات من جهته. ولو أنعم عليك أحد، فهو الذي سخره لك، وألقى في قلبه من الاعتقادات والإرادات ما صار به مضطرا إلى الايصال إليك، فمن عرف ذلك، حصل أحد أركان الشكر لله، وربما كان مجرد ذلك شكرا، وهو الشكر بالقلب. كما روي: (أن موسى قال في مناجاته: إلهي