فصل الأنس قد يثمر الإدلال قال أبو حامد الغزالي: (الأنس إذا دام وغلب واستحكم، ولم يشوشه قلق الشوق، ولم ينغصه خوف البعد والحجاب، فإنه يثمر نوعا من الانبساط في الأقوال والأفعال والمناجاة مع الله سبحانه، وقد يكون منكرا بحسب الصورة، لما فيه من الجرأة وقلة الهيبة، ولكنه محتمل ممن أقيم في مقام الأنس، ومن لم يقم في ذلك المقام وتشبه بهم في الفعل والكلام، هلك وأشرف على الكفر. ومثاله مناجاة (برخ الأسود) الذي أمر الله تعالى كليمه موسى (ع) أن يسأله ليستسقي لبني إسرائيل، بعد أن قحطوا سبع سنين، وخرج موسى في سبعين ألفا، فأوحى الله عز وجل إليه: كيف استجيب لهم وقد أظلت عليهم ذنوبهم؟ سرائرهم خبيثة، يدعونني على غير يقين، ويأمنون مكري، إرجع إلى عبد من عبادي يقال له (برخ)، فقل له: يخرج حتى أستجيب له. فسأل عنه موسى، فلم يعرف، فبينما موسى ذات يوم يمشي في طريق، إذا بعبد أسود قد استقبله، بين عينيه تراب من أثر السجود، في شملة قد عقدها على عنقه، فعرفه موسى بنور الله عز وجل، فسلم عليه وقال له: ما اسمك؟ فقال: اسمي برخ، قال: فأنت طلبتنا منذ حين، أخرج فاستسقي لنا، فخرج، فقال في كلامه: ما هذا من فعالك، ولا هذا من حلمك، وما الذي بدا لك؟
أتعصت عليك غيومك؟ أم عاندت الرياح عن طاعتك؟ أم نفذ ما عندك؟
أم اشتد غضبك على المذنبين؟ ألست كنت غفارا قبل خلق الخاطئين؟
خلقت الرحمة وأمرت بالعفو، أم ترينا أنك ممتنع؟ أم تخشى الفوت فتعجل بالعقوبة؟!... قال: فما برح حتى اخضل بني إسرائيل بالمطر، وأنبت الله عز وجل العشب في نصف يوم حتى بلغ الركب، ثم رجع (برخ)، فاستقبله موسى فقال: كيف رأيت حين خاصمت ربي، كيف أنصفني؟!
فهم به موسى، فأوحى الله إليه: إن برخا يضحكني كل يوم ثلاث