الذي هو أفق الشياطين. ولذلك يوصف بعضها - في لسان الفقه - بالكراهة وبعضها بالحضر. وقد سومح في الفقه حيث جعل فيه بعض هذه المكاره مكروهة غير محضورة، مع أن جميعها عدول عن العدل، وكفران للنعمة، ونقصان عن الدرجة المبلغة إلى القرب، لأن الخطاب به إنما هو إلى العوام الذين تقرب درجتهم من درجة الأنعام، وقد انغمسوا في ظلمات أعظم من أن تظهر أمثال هذه الظلمات بالإضافة إليها. فإن المعاصي كلها ظلمات، إلا أن بعضها فوق بعض، فيتمحق بعضها في جنب البعض. ولذا ترى أن السيد يعاتب عبده إذا استعمل سكينه بغير أذنه، ولكن لو قتل، بهذا السكين أعز أولاده لم يبق لاستعمال السكين بغير أذنه حكم ونكاية في نفسه. ولذا جميع هذه المكاره موصوفة عند أرباب القلوب بالحضر، ولا يتسامحون في شئ مما راعاه الأنبياء والأولياء من الآداب. حتى نقل:
(أن بعضهم جمع أكرارا من الحنطة يتصدق بها، فسئل عن سببه فقال:
لبست المداس مرة فابتدأت بالرجل اليسرى سهوا، فأريد أن أكفره بالصدقة).
فصل أقسام النعم واللذات إعلم أن النعمة عبارة عن كل خير ولذة وسعادة، بل كل مطلوب ومؤثر. وهي تنقسم إلى مؤثر لذاته لا لغيره، أي تكون غاية مطلوبة لذاتها ليس فوقها غاية أخرى، وهي مخصوصة بسعادة الآخرة التي لا انقضاء لها، أعني لذة النظر إلى وجه الله، وسعادة لقائه، وسائر لذات الجنة، من البقاء الذي لا فناء له، والسرور الذي لا غم فيه، والعلم الذي لا جهل معه، الغنى الذي لا فقر بعده وغير ذلك. فإنها لا تطلب ليتوصل بها إلى غاية أخرى مقصودة وراءها، بل تطلب لذاتها، وهذه هي النعمة الحقيقية واللذة الواقعية، ولذلك قال رسول الله (ص): (لا عيش إلا عيش الآخرة)، وغالب هذه النعمة والسعادة وأقواها وأشرفها هي اللذة والبهجة المرضية العقلية دون الجسمانية - كما لا يخفى -، فيختص بإدراكها العقل، ولاحظ للسمع والبصر والشم والبطن والفرج فيها. وإلى ما يقصد لغيره، أي تكون مطلوبة لأجل الغاية المطلوبة لذاتها ووسيلة إليها، سواء أكانت مقصودة