هيئة، قد أذهب الله عنه ما كان به، وصحب عيسى وتعبد به).
فصل هل يناقض الدعاء ونحوه الرضا إعلم أن الدعاء غير مناقض للرضا، وكذلك كراهية المعاصي، ومقت أهلها، وحسم أسبابها، والسعي في إزالتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والخروج من بلد ظهرت فيه المعاصي. وقد زعمت طائفة من أهل البطالة والغرور: إن جميع ذلك يخالف الرضا. إذ كل ما يقصد رده بالدعاء وأنواع المعاصي والفجور والكفر من قضاء الله وقدره، فيجب للمؤمن أن يرضى به. وقد رأوا السكوت على المنكرات مقاما من مقامات الرضا، وسموه حسن الخلق، وهذا جهل بالتأويل، وغفلة من أسرار الشريعة ودقائقها.
أما الدعاء، فلا ريب في أنا قد تعبدنا به، وقد كثرت أدعية الأنبياء والأئمة، وكانوا على أعلى مقامات الرضا، وتظاهرت الآيات وتواترت الأخبار في الأمر بالدعاء وفوائده وعظم مدحه، وأثنى الله - سبحانه - على عباده الداعين، حيث قال:
(ويدعوننا رغبا ورهبا) (17). وقال (أدعوني أستجب لكم) (17).
وقال: (أجيب دعوة الداع إذا دعان) (19).
وهو يوجب صفاء الباطن، وخشوع القلب، ورقة النظر، وتنور النفس وتجليها. وقد جعله الله - تعالى - مفتاحا للكشف، وسببا لتواتر مزايا اللطف والاحسان. وهو أقوى الأسباب لإفاضة الخيرات والبركات من المبادي العالية.
فإن قيل: ما يرد على العبد من المكاره والبلايا يكون بقضاء الله وقدره، والآيات والأخبار ناطقة بالرضا بقضاء الله مطلقا، فالتشمر لرده في الدعاء يناقض الرضا.
قلنا أن الله - سبحانه - بعظيم حكمته، أوجد الأشياء على التسبيب