كانت عاقبة ذلك، فليحذر من أن يأخذه من غير حله، فيعذب أبد الآباد لأجله فصل ما ينبغي للمؤمن في الطهارة ينبغي لكل مؤمن أن يستحضر عند اشتغاله بالطهارة عن الحدث: أن تكليفه بها للدخول في العبادات والمناجاة مع خالق البريات إنما هو لكون أعضائه التي أمر بغسلها مباشرة للأمور الدنيوية، منهمكة في الكدورات الطبيعية، فخرجت عن أهلية القيام بين يدي الله سبحانه، والاشتغال بعبادته. فالأمر بغسلها، لتتطهر عن هذه الكدورات، فيتأهل للمناجاة.
ولا ريب في أن مجرد غسلها لا يطهرها عن الأدناس الدنيوية والكدورات الجسمانية، ما لم يطهر قلبه عن الأخلاق الذميمة، والعلائق الدنيوية، ما لم يعزم على الرجوع إلى الله، والانقطاع عن الدنيا وشهواتها. فينبغي أن يكون قلبه عند الطهارة مطهرا عن ذمائم الصفات وخبائث الشهوات، جازما على فطام الأعضاء التي هي أتباعه وخدامه عن شهوات الدنيا، لتسري نوريته وطهارته إلى تلك الأعضاء، ثم أمر في الوضوء أولا: بغسل الوجه، الذي هو مجمع أكثر الحواس الظاهرة، التي هي أعظم الأسباب الباعثة على مطالب الدنيا، ليتوجه ويقبل بوجه للقلب على الله، وهو خال من تلك الأدناس، وثانيا: بغسل اليدين، له مباشرتهما أكثر الأمور الدنيوية والمشتهيات الطبيعية المانعة من الإقبال على الآخرة، وثالثا: بمسح الرجلين، للتوصل بهما إلى أكثر المطالب الدنيوية، والمقاصد الطبيعية. فأمر بتطهير جميعهما ليسوغ له الدخول بها في العبادات والاقبال عليها. وأمر في الغسل بغسل جميع البشرة، لأن أدنى حالات الإنسان وأشدها تعلقا بالملكات الشهوية حالة الوقاع، ولجميع بدنه مدخل في تلك الحالة. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (تحت كل شعرة جنابة) فحيث كان جميع بدنه بعيدا عن المرتبة العلية، منغمسا في اللذات الدنية، كان غسله أجمع من أهم المطالب الشرعية، ليتأهل لمقابلة الجهة الشريفة، والدخول في العبادة المنيفة.
وأمر في التيمم بمسح الأعضاء بالتراب، عند تعذر غسلها بالماء، وضعا لتلك