ببالك أن المسلم هو الذي سلم المسلمون من يده ولسانه، فإن لم تكن موصوفا بهذا الوصف، كنت كاذبا فأجتهد أن تعزم عليه في الاستقبال، وأن تندم على ما سبق من الأحوال. وإذا قلت: (وما أنا من المشركين، فأخطر ببالك الشرك الخفي، وكونه داخلا في الشرك، لإطلاق الشرك على القليل والكثير. فلو قصدت بجزء من عبادتك غير الله، من مدح الناس وطلب المنزلة في قلوبهم، كنت مشركا كاذبا في هذا الكلام. فأنف هذا الشرك عن نفسك، واستشعر الخجلة في قلبك، بأن وصفت نفسك بوصف ليست متصفة به في الواقع. وإذا قلت: (محياي ومماتي في الله رب العالمين)، فاعلم أن هذا حال عبد مفقود لنفسه، موجود لسيده، فإن عن ذاته باق بربه، لا يرى لذاته من حيث هي قدرة وقوة، بل يعلم حياته وبقاءه من الله - تعالى -، ولا تكون حركاته وسكناته إلا لله تعالى. فالقائل بهذا الكلام، إذا رأى لنفسه من حيث هي قدرة وأثرا، أو صدر عنه فعل:
من الرضا، أو الغضب، أو القيام، أو القعود، أو الرغبة في الحياة، أو الرهبة من الموت لأمور الدنيا، كان كاذبا.
فصل الاستعاذة فإذا قلت: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ينبغي أن تعلم أن الشيطان أعدى عدوك، مترصد لصرف قلبك عن الله، حسدا لك على مناجاتك مع الله وسجودك له مع أنه لعن وطرد عن مقام القرب بترك السجدة. وينبغي ألا تكون استعاذتك بالله منه بمجرد القول، لتكون مثل من قصده سبع أو عدو ليفترسه أو يقتله، فقال: أعوذ منك بهذا الحصن الحصين، وهو ثابت على مكانه، فإن ذلك لا يفيده ولا ينفعه ما لم يتحرك ويدخل الحصن فكذلك مجرد الاستعاذة لا ينفعه ما لم يترك ما يحب الشيطان، وما لم يأت بما يحبه الله. فمن اتبع الشهوات التي هي محاب الشيطان ومكاره الرحمن لا يغنيه مجرد القول، فليقترن قوله بالعزم على التعوذ بحصن الله عن شر الشيطان، وحصنه (لا إله إلا الله)، إذ قال: (لا إله إلا الله حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي). والدخول في حصن (لا إله إلا الله) ليس أيضا