كنت إماما لقوم، فاقصدهم بالسلام من تقدم من المقصودين، وليقصدوا هم الرد عليك أيضا، وإذا فعلتم ذلك فقد أديتم وظيفة السلام، واستحققتم من الله مزيد الاكرام. قال الصادق (ع): (معنى التسليم في دبر كل صلاة: الأمان، أي من أتى أمر الله وسنة نبيه (ص) خاضعا خاشعا منه، فله الأمان من بلاء الدنيا والبراءة من عذاب الآخرة. والسلام اسم من أسماء الله تعالى أودعه خلقه، ليستعملوا معناه في المعاملات والأمانات والانصافات وتصديق مصاحبتهم فيما بينهم، وصحة معاشرتهم. فإن أردت أن تضع السلام موضعه، وتؤدي معناه، فاتق الله ليسلم منك دينك وقلبك وعقلك ألا تدنسها بظلمة المعاصي، ولتسلم منك حفظتك ألا تبرمهم وتملهم وتوحشهم منك بسوء معاملتك معهم، ثم مع صديقك، ثم مع عدوك فإن من لم يسلم منه هو الأقرب إليه فالعبد أولى، ومن لا يضع السلام مواضعه هذه فلا سلام ولا إسلام ولا تسليم، وكان كاذبا في سلامه وأن أفشاه في الخلق) (36).
فصل إفاضة الأنوار على المصلي على قدر صفاته إعلم أن تخليص الصلاة عن الآفات، وإخلاصها لوجه الله، وأدائها بالشروط الباطنة المذكورة، من الحضور والخشوع، والتعظيم، والهيبة، والحياء: سبب لحصول أنوار في القلب، تكون تلك الأنوار مفاتيح للعلوم الباطنة، وإنما يفيض منه على كل مصل على قدرة صفائه من كدورات الدنيا ويختلف ذلك بالقلة والكثرة، والقوة والضعف، والجلاء والخفاء، ويختلف أيضا بما ينكشف من العلوم فينكشف لبعضهم من صفات الله وجلاله، ولبعضهم من عجائب أفعاله، ولبعضهم من دقائق علوم المعاملة، ولبعضهم غير ذلك، وأولى بالظهور والإضافة لكل شخص ما يهمه ويكون في طلبه وإلى ما ذكرناه من ترتب الإفاضات العلوية على الصلاة الخالصة لوجه الله المؤداة بالشروط المذكورة، أشار النبي (ص) بقوله: (إن العبد إذا قام في الصلاة، رفع الله الحجاب بينه وبين عبده، وواجهه بوجهه وقامت الملائكة