فينبغي أن تكون مكروهة من حيث ذاتها، وبهذه الحيثية لا تكون من قضاء الله والرضا به، وفرضه من خبث كونها باعثة لخيرات كثيرة. والتحقيق:
أن الأوصاف الثلاثة ثابتة للشرور الواقعة في العالم، أعني أنها راجعة إلى الإعدام وداخلة في قضائه - تعالى - بالعرض، وشرور قليلة باعثة لخيرات كثيرة. وعلى هذا فوجه الجمع أظهر. ثم لأبي حامد الغزالي هنا وجه جمع آخر، لا يروي الغليل ولا يشفي العليل.
فإن قيل: بعض أهل المعاصي ومقتهم موقوف على ثبوت الاختيار لهم وتمكنهم من تركها، وإثبات ذلك مشكل.
قلنا: لا إشكال فيه، إذ البديهة قاضية بثبوت نوع اختيار للعباد في أفعالهم، لا سيما فيما يتعلق به التكليف والخوض في هذه المسألة مما لا ينبغي. فالأولى فيها السكوت، والتأدب بآداب الشرع، والرجوع إلى ما ورد من العترة الطاهرة. وما يمكن أن يقال فيها قد ذكرناه في كتابنا المسمى ب (جامع الأفكار).
فصل طريق تحصيل الرضا الطريق إلى تحصيل الرضا، أن يعلم أن ما قضى الله - سبحانه - له هو الأصلح بحاله، وإن لم يبلغ فهمه إلى سيره فيه. مع أن السخط والكراهة لا يفيد شيئا ولا يتبدل به القضاء. فإن ما قدر يكون، وما لم يقدر لم يكن، وحسرة الماضي وتدبير الآتي يذهبان بتركه الوقت بلا فائدة، وتبقى تبعة السخط عليه. فينبغي أن يدهشه الحب لخالقه عن الاحساس بالألم، كما للعاشق، وأن يهون عليه العلم بعظم التعب والعناء - كما للمريض والتاجر المتحملين شدة الحجامة والسفر - فيفوض أمره إلى الله، إن الله بصير بالعباد.
تتميم التسليم إعلم أن التسليم، ويسمى تفويضا أيضا، قريب من الرضا، بل هو فوق الرضا، لأنه عبارة عن ترك الإعراض في الأمور الواردة عليه، وحوالتها