والحال. وكل نازلة خلت أوائلها من الاخبات والإنابة والتضرع إلى الله فصاحبها جزوع غير صابر. والصبر ما أوله مر وآخره حلو، من دخله من أواخره فقد دخل، ومن دخله من أوائله فقد خرج، ومن عرف قدر الصبر لا يصبر عما منه الصبر، وقال الله تعالى في قصة موسى والخضر عليهما السلام:
فكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا، فمن صبر كرها، ولم يشك إلى الخلق، ولم يجزع بهتك ستره، فهو من العام ونصيبه ما قال الله غز وجل:
وبشر الصابرين: أي بالجنة والمغفرة. ومن استقبل البلاء بالرحب، وصبر على سكينة ووقار، فهو من الخاص، ونصيبه ما قال الله عز وجل: أن الله مع الصابرين) (18).
فصل الصبر - مراتب الصبر - أقسام الصبر - فضيلة الصبر - الصبر على السراء - اختلاف مراتب الصبر في الثواب - طريق تحصيل الصبر - التلازم بين الصبر والشكر - القانون الكلي في معرفة الفضائل - تفضيل الصبر - على الشكر.
* * * ضد الجزع (الصبر)، وهو ثبات النفس وعدم اضطرابها في الشدائد والمصائب، بأن تقاوم معها، بحيث لا تخرجها عن سعة الصدر وما كانت عليه قبل ذلك من السرور والطمأنينة، فيحبس لسانه عن الشكوى، وأعضائه عن الحركات الغير متعارفة. وهذا هو الصبر على المكروه، وضده الجزع.
وله أقسام أخر لها أسماء خاصة تعد فضائل أخر: كالصبر في الحروب، وهو من أنواع الشجاعة، وضده الجبن والصبر في كظم الغيظ، وهو الحلم، وضده الغضب. والصبر على المشاق، كالعبادة، وضده الفسق، أي الخروج عن العبادات الشرعية. والصبر على شهوة البطن والفرج من قبائح اللذات، وهي العفة، وإليه أشير في قوله سبحانه: