ولم يعلم وجه فرق للمشهور يعتد به عدا ما ذكره بعض الأجلة من أن العدالة تحصل بالتحرز عن أسباب الفسق وهي كثيرة يعسر ضبطها وعدها فلا بد من سماع البينة فيها مطلقا وهذا بخلاف الفسق فإنه يحصل بارتكاب كبيرة واحدة وما ذكره بعض أخذا من بعض الشافعية من أنه لو اكتفى بالاطلاق في الجرح كان تقليدا للجارح في الجرح لوقوع الخلاف في أسبابه بخلاف العدالة فإنه أمر وجداني لا يقبل الاختلاف بحسب الانظار هذا.
وأنت خبير بفساد هذا الوجه وشناعته إذ قد عرفت أن الاختلاف فيما يوجب الفسق يستلزم الاختلاف فيما تحصل به العدالة وترتفع به بحيث لا يعقل الانفكاك بينهما عقلا وأما الوجه الأول فإن لزم مقدار من العسر ينهض دليلا على رفع اليد عن مقتضى القواعد العامة فهو وإلا فلا يمكن الحكم به أيضا وأما أدلة سائر الأقوال فبعضها يعلم مع أجوبتها مما ذكرنا وبعضها الآخر مذكور في كتب القوم ويعلم الجواب منه أيضا عند التأمل فيما ذكرنا فلا نحتاج إلى ذكره والنقض والابرام فيه هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما المقام الثاني وهو تعيين ما يعتبر من العبارة في التعديل من الاكتفاء بقوله عدل أو الاحتياج إلى انضمام لي وعلي أو أحدهما مع مقبول الشهادة فالظاهر جواز الاقتصار والاكتفاء بقوله عدل من غير احتياج إلى انضمام ما ذكر لاطلاق الأدلة مع عدم الدليل على التقييد وسيجئ تمام القول في ذلك في مسألة الشهادات فانتظر لما سيتلى عليك.
قوله ولو اختلف الشهود في الجرح والتعديل الخ أقول ينبغي التعرض أولا لما أهملنا ذكره فيما سبق من بيان ما هو المستند في الشهادة على الجرح والتعديل ثم نعقبه بالتعرض لحكم صورة اختلافهما فنقول انه لا إشكال في جواز الشهادة على الفسق والعدالة بعد العلم بهما مضافا إلى أنه لا خلاف فيه أيضا بل الاجماع منعقد عليه مع أنه لا يعقل القول بعدم اعتباره بعد قيام الدليل على جواز الشهادة على الفسق والعدالة فهل يقتصر عليه أو يتعداه إلى غيره من الظن المطلق أو المتاخم بالعلم الذي يقتضيه القاعدة الأولية في المقامين هو الأول إلا أن الظاهر بل المقطوع لزوم العسر واختلال الاحكام وإبطال الحقوق من لزوم الاقتصار في الشهادة على العدالة على العلم لان أقوى طرق الاطلاع على ملكة العدالة هي المعاشرة التامة ومعلوم أنها لا تفيد العلم بها غالبا بل دائما لان غاية ما يحصل منها العلم بعدم المعصية من حيث أفعال الجوارج وأما حصول العلم منها على عدم المعصية من حيث أفعال القلب فلا فيلزم من الاقتصار على العلم سد باب الشهادات كما لا يخفى مضافا إلى قيام الاجماع ظاهرا على عدم وجوب الاقتصار عليه وجواز التعدي إلى الظن وأما ما يترائى من كلماتهم من عدم جواز الاكتفاء في الشهادة على حسن الظاهر كما يظهر من عبارة المصنف أيضا فإنما مرادهم منه عدم جواز الاكتفاء به تعبدا مع قطع النظر عن حصول الظن منه بالعدالة وبعبارة أخرى مرادهم من منع ذلك هو عدم كون حسن الظاهر من الطرق التعبدية وأما عدم الاكتفاء فيما حصل الظن منه مطلقا أو الاطميناني فلم يظهر منهم ذلك.
هذا مضافا إلى دلالة كثير من الروايات على ذلك فإنها وإن وردت أكثرها في جواز العمل بالظن في العدالة في مقام العمل إلا أن جملة منها ظاهرة في جواز الاستناد إليه في مقام الشهادة أيضا فراجع إليها مضافا إلى إمكان أن يقال إنه بعدما ثبت جواز الاكتفاء في مقام العمل يجوز الاكتفاء به في مقام الشهادة أيضا نظرا إلى ما يستفاد من بعض الأخبار من أن كلما يجوز الاستناد إليه في مقام العمل يجوز الاستناد إليه في مقام الشهادة كما في رواية الحفص فإنها وإن وردت في خصوص الشهادة من جهة اليد وإثبات الملازمة بين حجيتها في مقام العمل وحجيتها في مقام الشهادة لكن