الأجرة والعوض على الواجبات مطلقا فانتظر لما يتلى عليك من الكلام في خصوص ما ورد في باب القضاء بعد الفراغ عن تحقيق القول بالنظر إلى اخذ العوض في مطلق الواجبات.
وتحقيق القول في المسألة من تلك الجهة لما كان متوقفا على تحقيقه في مسألة جواز اخذ العوض على مطلق الواجبات لكونه جزئيا من جزئياتها فبالحري ان نذكر شطرا من الكلام فيها ليتضح الحال فيما نحن فيه أيضا فنقول انه لا بد للقول بجواز اخذ الأجرة والعوض على الواجبات من احراز أمور ثلاثة أحدها كون العمل الواجب مما يترتب عليه نفع لباذل بان يعود إليه أو بمن غرضه العقلائي الإعادة إليه كما لو كان كفائيا وأراد سقوطه منه فاستاجر غيره مثل الجهاد والصلاة على الميت وغيرهما أو كان عينيا ورجع منه نفع إلى باذل المال كالقضاء والشهادة للمدعى إذا وجبا عينيا فما لا يترتب عليه نفع لباذل المال لا يجوز بذل العوض بإزائه واخذ الأجرة عليه فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه لا يجوز اخذ الأجرة عليه والحاصل انه لا بد في المعاوضة من شئ يعود إلى الباذل بإزاء المبذول والا لما تحقق عنوان المعاوضة والمبادلة فالوجه في اعتبار هذا الشرط توقف تحقق أصل عنوان المعاوضة عليه بحيث لولاه لم يكن متحققا فلا يجوز اخذ العوض حينئذ لأنه اكل للمال بالباطل.
ثانيها كون العمل الواجب بحيث لم يؤخذ فيه ما ينافي اخذ الأجرة والعوض عليه فالواجب الذي اخذ فيه ما ينافي اخذ الأجرة عليه لا يجوز اخذ الأجرة عليه فمثل الصلاة وغيرها من الواجبات التي اخذ قصد القربة فيها ولو كانت كفائية لا يجوز اخذ الأجرة عليها لمنافيات القربة المأخوذة فيها لاخذ الأجرة عليها لان معنى اعتبار القربة في العمل عدم الداعي إليه الا هي ومن المعلوم ان اخذ الأجرة عليه مناف للتقرب به لكون الداعي إليه حينئذ هو الأجرة والعوض فلا يترتب عليه ما كان مأخوذا فيه من القربة لمكان التنافي بين الامرين.
فان قلت إن الداعي للفعل ليس إلا التقرب به غاية الأمر كون الداعي إلى التقرب بالفعل واتيانه بهذا الداعي هو اخذ العوض فما صار العوض داعيا لأصل الاتيان بالفعل حتى ينافي لما اخذ فيه من قصد التقرب و انما صار داعيا للاقدام بهذا الفعل المتقرب به.
قلت لا شك انه إذا صار العوض داعيا إلى التقرب بالفعل فقد صار داعيا إلى الاقدام بنفس الفعل فلا يكون الداعي فيه هو مجرد التقرب وبعبارة أخرى انه لا بد ان يكون غاية الغايات في العبادات هو التقرب بها فلا يعقل حصولها مع صيرورة بذل المال غاية.
فان قلت يمكن للأجير ان يأتي بالفعل مخلصا لله تعالى بحيث لا يكون للإجارة دخل في اتيانه فيستحق الأجرة فالإجارة غير مانعة من قصد الاخلاص.
قلت الكلام في أن مورد الإجارة لا بد ان يكون عملا قابلا لان يوفى به بعقد الإجارة ويؤتى به لأجل استحقاق المستأجر إياه من باب تسليم مال الغير إليه وما كان من قبيل العبادات غير قابل ذلك.
فان قلت لو كان تناف بين ملاحظة العوض على الفعل وبين كون الغاية فيه هو التقرب به إلى الله تعالى لكان تلك المنافاة موجودة فيما لو أراد العوض على الفعل من الله تعالى كما لو اتى بالفعل تقربا إلى الله تعالى ويقصد منه حصول المطالب الدنيوية كأداء الدين وسعة الرزق وغيرهما والتالي باطل اتفاقا لجواز الاقدام بالعبادة بهذا العنوان باتفاق من الكل بل في كثير من الروايات دلالة عليه أيضا فلو كان هناك منافاة بين الامرين بحسب العقل فلم جاز وقوعه في الشرع.