وأما المقام الثاني وهو ما لو علم بفساد حكمه من حيث فساد اجتهاده سواء كان بتقصير منه كما لو لم يتفحص أصلا حتى يعلم بصحة الكتاب الذي يأخذ منه الخبر أو يظن أو بدونه كما لو تفحص ولم يجد فالحق فيه جواز النقص بل وجوبه بالنسبة إلى المترافعين والحاكم لما قد عرفت في المقام الأول من كشف ذلك من عدم كون ذلك الحكم متعلقا لامضاء الشارع بل كان من أول الأمر فاسدا كحكم العامي فلا يجري ما ذكرنا من الأدلة على عدم جواز نقض الحكم من حيث اختصاصها بالاجتهاد الصحيح.
وأما المقام الثالث وهو ما لو علم بمخالفة حكمه للدليل المعتبر عند الكل أو المعظم فلا يخلو إما أن يكشف ذلك عن تقصيره في الاجتهاد أو قصوره أو لا يكشف عن ذلك فإن كشف عن ذلك فيرجع إلى المقام الثاني فالحكم هو الحكم وإلا ففيه إشكال من حيث عموم الأدلة الدالة على حرمة النقض وشمولها بالنسبة إلى المقام ومن حيث العلم بكون التكليف الظاهري لكل أحد هو مؤدى الدليل الفلاني حتى لهذا الحاكم فيرجع إلى العلم بمخالفة حكمه للتكليف الظاهري حتى في حق الحاكم فلا أثر في حكمه كما لو خالف الدليل العلمي ومن هنا تعرف النظر فيما ذكره الشهيد قدس سره في الدروس من الحكم بجواز النقض فيما لو علم بمخالفة حكمه للخبر الصحيح الذي لا يعارضه دليل آخر أو للمفهوم الموافقة وجه النظر انه يمكن منع كون ما ذكره من الدليل المعتبر عند الكل سيما في جميع المقامات والموارد مع أنه لو كان من ذلك لأمكن المناقشة فيه وفيما ذكره جماعة من الحكم بالنقض مطلقا هذا مجمل القول في الاحكام.
وأما الموضوعات فإن لم يعلم بمخالفة حكمه فيها للواقع فلا إشكال في عدم جواز النقض لما قد دل على عدم الجواز في الشبهات الحكمية وإن علم بذلك فإن علم المحكوم عليه بمخالفة حكمه للواقع بينه و بين الله فيجب إلزامه ظاهرا على الالتزام بالحكم حتى من الحاكم الآخر ما لم يعلم صدقه في الادعاء وإلا لزم نقض جميع الأحكام من حيث ادعاء المحكوم عليه دائما كذب الشهود أو المدعى لكن يجوز له انقاذ ماله من المحكوم له بينه وبين الله ولو بالسرقة وإن علم بذلك الحاكم فيجب عليه ظاهرا ترتيب الأثر على حكمه بأن يأمر المحكوم عليه بالالتزام به وإن علما به فيجوز نقضه حينئذ هذا.
وينبغي التنبيه على أمور الأول ان كلما حكمنا بجواز نقض الحكم بالحكم معناه هو الحكم ببطلانه وعدم تأثيره من أول الأمر بمعنى كون وجوده كعدمه لا رفع اليد عن استمراره مع الحكم بتأثيره حتى يصير كمسألة النسخ في الجملة فإذا فرض الشك في جواز النقض وعدمه فمرجعه إلى الشك في أصل تأثير الحكم حين وقوعه وعدمه لا إلى الشك في وجود المانع عن استمراره وعدمه فيعلم من ذلك أن ما تمسك به بعض مشايخنا في بعض صور المسألة من الاستصحاب لا أثر له في المقام ولا مدخل له في المرام اللهم إلا أن يتمسك بأن الأصل عدم تأثير حكم الثاني وعدم نفوذه بعد حكم الأول لكن هذا لا دخل له باستصحاب حكم الأول مع أنه يمكن منع صحة هذا الأصل أيضا بالنسبة إلى اثبات التأثير للحكم الأول وإن أمكن أن يثبت به عدم التأثر للحكم الثاني ومن هنا تبين ان اطلاق النقض في المقام والمقام الأول أي نقض الفتوى بالفتوى مسامحة في التعبير وإلا ليس هنا ولا هناك نقض حقيقة بل الموجود في المقامين هو رفع اليد من أول الأمر.
الثاني ان كلما حكمنا بعدم جواز النقض هل معناه هو الحكم بكون حكم الحاكم طريقا إلى المحكوم به بقول مطلق بحيث يترتب عليه جميع آثاره كالافتاء حتى يحرم الحكم على خلافه ولوفي واقعة أخرى وفرد آخر من ذلك المحكوم به كما يحرم العدول عن تقليد مجتهد إلى آخر فيما لو قلده في فرد من كلي ولو في فرد آخر