كونه ميزانا للقضاء فلان اسقاط الدعوى وغيره من آثار اليمين الفاصلة إنما يحصل بنفس المصالحة قهرا فلا مورد للحلف بهذا المعنى كما لا يخفى.
وبعبارة أخرى حصول براءة ذمة المدعى عليه من المدعي بعد وقوع المصالحة قهري يعلم به كل أحد من المدعي والحاكم وغيرهما فلا معنى لليمين التي هي من موازين القضاء والفصل بين المتخاصمين وهي نظير ما إذا أقر المنكر بما يدعى عليه فإنه لا معنى حينئذ لتحليفه لارتفاع الخصومة بنفس إقراره ولهذا ذكرنا أن أخذ المنكر بالاقرار والزامه بمقتضاه ليس منافيا لما دل على حصر الفصل بالبينة والايمان لأنه إنما هو في مورد الخصومة هذا مع أنه قد يقال إن المصالحة على الوجه المذكور منافية لما دل على اختصاص اليمين الفاصلة بما إذا وقع بمحضر الحاكم وباذنه مثلا فلا دليل على صحتها بل مقتضى ما دل على انتفاء اليمين من المنكر في الموارد التي يثبت فيها ذلك من جهة انتفاء شرطها فساد المصالحة المذكورة لأنها مخالفة للكتاب والسنة ومحللة للحرام فتأمل - ومما ذكرنا كله يظهر وجه فساد المصالحة في الصورة الثانية أيضا وهي ما إذا صالح المدعي دعواه على يمين المنكر على الوجه المذكور فلا نطيل بالإعادة وبالجملة لا معنى لبقاء الخصومة بعد المصالحة حتى يحتاج في رفعها إلى اليمين وهذا مما لا إشكال فيه إن شاء الله وإن طال الكلام فيه بعض الأفاضل.
فلنصرف عنان الكلام إلى بيان الوجه للمرام في باقي الصور وهو ما إذا صالح المدعي حقه على حلف المنكر من حيث كونه فعلا من أفعاله أو صالح دعواه عليه على النهج المذكور فيقع الكلام في صورتين أما الكلام في الصورة الأولى فنقول انه لا يخلو إما أن يصالح المدعي حقه ومدعاه على حلف المنكر بالبراءة وعدم استحقاق المدعى فعلا أو يصالح حقه عليه بالزامه (بالبراءة خ) قبل المصالحة أو يصالح حقه على حلف المنكر بعدم السبب الذي يدعيه المدعي فيما إذا فرض تنازعهما فيه.
أما الصورة الأولى فلا إشكال في فساد المصالحة فيها لما عرفت من حصول البراءة قهرا بعد المصالحة فالزام المدعي المنكر بالحلف على الوجه المذكور بمقتضى المصالحة لغو صرف لكونه بنفسه مصدقا إياه في انكاره البراءة الفعلية التي يريد أن يحلف عليها.
وأما الصورة الثانية والثالثة فحكمهما واحد فنقول بعون الملك المنان والقادر السبحان ان المدعي في الفرض لا يخلو إما أن يعلم بعلم المنكر بكذبه في انكاره أو يعلم بعلمه بصدقه فيه أو يعلم بجهله فيه بأحدهما أو لا يعلم شيئا منهما بل يردد انكار المنكر في نظره بين الأقسام المذكورة.
فلنقدم لتوضيح الوجه في الأقسام وما في الصور مقدمة وهي انه قد تقرر في محله انه يشترط في صحة المصالحة أمور ثلاثة أحدها جواز مطالبة المصالح شرعا بالمصالح عليه ثانيها جواز المصالح عليه للمصالح معه ثالثها ترتب نفع وفائدة عن المصالح عليه للمصالح وبالجملة يشترط فيما يصير عوضا في عقد المصالحة ما يشترط في غيره من اباحته لكل من المتعاقدين وكونه مما ينتفع به.
أما وجه اشتراط الأول والثاني فقوله كل صلح جايز بين المسلمين إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا مضافا إلى ما دل من لزوم إباحة العوض في العقود والمعاوضات بقول مطلق.
وأما وجه اشتراط الثالث فهو ما دل من الاجماع وغيره على فساد المعاملة المبنية على اللغو والهزل مضافا إلى انصراف ما دل على امضاء العقود والوفاء بها بغيرها كما لا يخفى.
إذا عرفت ما قدمنا لك من المقدمة فلنرجع إلى بيان الوجه في حكم الأقسام فنقول إما الوجه