ولم يعلم بها فلا موجب لرفع اليد عن الأصل ولعل الثاني أقوى لما عرفت هذا مضافا إلى ما عرفت من أنه لو بنى على عدم الاكتفاء بها لزم وقوع الناس في الضرر كثيرا لان أكثر صور الادعاء والانكار من هذا القبيل وسيجئ تفصيل القول فيه في المقام الثالث إن شاء الله تعالى هذا مجمل القول في المقام الثاني.
وأما الكلام في المقام الثالث فنقول ان من المشهور بينهم المذكور في كتبهم تقسيم اليمين إلى الأربعة المعروفة لأنها إما على النفي أو على الاثبات وعلى كل من التقديرين إما على فعل النفس أو فعل الغير والحكم بان في غير نفي فعل الغير لا بد من أن يحلف الحالف على البت والعلم وفيه يحلف على نفي العلم.
وقبل الخوض في التكلم في المسألة وبيان وجه التفصيل الذي ذكروه لا بد من التعرض لأمور بها تدفع الشبهات وترفع الاشكالات.
الأول ان مرادهم من فعل النفس وفعل الغير في كلماتهم أعم من أن يكون قائما به وبغيره بلا واسطة أو مسببا عما هو قائم بهما كذلك كاشتغال الذمة فإنه مسبب عن فعل الانسان فاليمين على عدم الاشتغال أيضا راجع إما إلى نفي فعل النفس الذي سبب له أو فعل الغير الذي سبب له وأيضا مرادهم منهما أعم من أن يكون مما صدر عن الانسان باختياره كالبيع والهبة ونحوهما اختيارا أو كان صادرا عنه بغير اختياره كالاتلاف في حال النوم أو الغفلة ونحوه وهذا مما لا إشكال فيه بعد ملاحظة كلماتهم.
الثاني ان مرادهم من اليمين على البت هي اليمين على الواقع في مقابل اليمين على نفي العلم فما ربما يستفاد من كلام بعض السادة الفحول من الايراد على القول بأنه بعد اشتراط دعوى العلم في اليمين على نفي العلم لا معنى للتفصيل الذي ذكروه في اليمين لان اليمين حينئذ على البت مطلقا كما صرح به الفاضل في بعض كتبه لا ورود له بعد ما عرفت من معنى اليمين على البت هذا مضافا إلى ما عرفت سابقا من أن اشتراطهم لدعوى العلم ليس من جهة عدم سماع دعوى الواقع في الدعوى على فعل الغير بل من جهة انه لو أراد المدعى حلف المدعى عليه يشترط ان يتعرض في دعواه الواقع لدعوى العلم ليحصل التطابق فتأمل.
الثالث انك قد عرفت أن المراد من فعل النفس وفعل الغير أعم منها ومما يرجع إليهما بالتسبب كاشتغال الذمة ونحوه وبعبارة أخرى انك قد عرفت أن المدعي قد يدعي نفس الفعل كالبيع والهبة ونحوهما و قد يدعى نتيجته كالاشتغال والملكية.
فإن ادعى نفس الفعل فالحكم ما ذكروه من أنه إذا كان فعل النفس نفيا أو اثباتا يحلف فيه على البت وإذا كان فعل الغير يحلف في اثباته على البت وفي نفيه على العلم هذا إذا علم أن المنكر رجع في حلفه على فعل نفسه نفيا أو اثباتا إلى العلم أو احتمل في حقه ذلك الموجب لحمل كلامه على الواقع وأما إذا علم أنه استند في نفي فعل نفسه إلى الأصل فلا يكفي حلفه على الواقع مستندا إليه حسبما عرفت تفصيل القول فيه.
وان ادعى النتيجة كالملكية والاشتغال فهذا أولا لا يخلو عن صور ثلاث لأنه إما أن يعلم أنه يدعي الاشتغال المسبب عن فعل النفس أو يعلم أنه يدعي الاشتغال المسبب عن فعل الغير أو يجهل الأمران فإن علم - الحال فالحكم كما عرفت في القسم الأول وإن جهل الحال فلا يخلو أيضا عن صور ثلاث لأنه إما أن يعلم أن المنكر رجع في إنكاره وحلفه إلى العلم في نفي فعل نفسه ونفي فعل الغير المسبب منهما الاشتغال أو يحتمل ذلك أو يعلم أنه رجع في نفس أحدهما إلى الأصل.