نفي الاحكام الحرجيه.
ثم إن المدار في العسر والحرج اللازمين هما الشخصيان لا الغالبيان فلو فرض سهولة الترافع إلى الأعلم في قضية يجب الترافع إليه وإن كان العسر في أغلب القضايا والوقايع موجودا بحسب أغلب الناس حسبما ذكرنا غير مرة من أن أدلة نفي الجرج والعسر لا ترفع الا العسر الشخصي فظهر بما ذكرنا فساد ما ربما يتوهم من أن الحكم بالرجوع إلى الأعلم في القضاء موجب للعسر في الأغلب فيكونان منفيين بادلتهما فلا يجب الترافع إلى الأعلم مطلقا وإن كان مقتضى الأدلة ذلك لما عرفت من لزوم العسر الأغلبي.
الثاني ان ما ذكرنا في الأعلم يأتي بعينه في الأورع أيضا فلو كان هناك مجتهدان أحدهما أورع من الأخر فإن كان الترافع في الشبهات الموضوعية يجوز الرجوع إلى غير الأورع وإن كان في الشبهات الحكمية فان كانا مختلفين في الرأي يجب الرجوع إلى الأورع لدلالة المقبولة وغيرها على ذلك وإن لم يكونا مختلفين فيه يجوز الرجوع إلى اي منهما لما عرفت من الاطلاق السليم عن التقييد الثالث انه لو وجد مجتهدان أحدهما أورع من الأخر والاخر اعلم منه يجب اختيار الأعلم الا إذا كان الأورع أوثق أيضا فان في تقديم أحدهما على الأخر حينئذ اشكالا والله العالم.
قوله إذا ولى من لا يتعين عليه القضاء فإن كان له كفاية من ماله فالأفضل أن لا يطلب الرزق من بيت المال ولو طلب جاز لأنه من المصالح وكذا ان تعين عليه القضاء ولم يكن له كفاية جاز له اخذ الرزق الخ أقول تفصيل - القول فيما يأخذه القاضي ويعود عليه من جهة قضائه في مقامات ستة أحدها في جواز ارتزاقه من بيت المال ثانيها في جواز اخذ الأجرة من المتخاصمين على القضاء ثالثها في جواز اخذ حق الجعالة منهما عليه رابعها في جواز اخذ الرشوة منهما خامسها في جواز اخذ الهداياء والتحف سادسها في جواز قبول التعارفات كتقبيل اليد والجلوس في صدر المجلس والخدمات وغيرها.
إما المقام الأول فتحقيق القول فيه أنه لا يخلو إما ان يكون القاضي فقيرا أو غنيا وعلى التقديرين إما ان يتعين عليه القضاء بان لم يكن من يقوم به الا هو أو لا يتعين بل يجب عليه كفاية كما في صورة وجود غيره وهذه أربع صور لا بد من تحقيق القول في كل منها.
ولنبين قبل الخوض في بيان احكام الصور المراد من بيت المال الواقع في كلماتهم فنقول ان المراد منه حسبما يظهر منهم بيت يجمع فيه ما يصرف في مصالح المسلمين كبناء المسجد والقنطرة والخان وشق الأنهار وغيرها مثل الجزية وخراج المقاسمة وما أوصى في صرفه (لصرفه خ) في وجوه البر وما يصرف من الزكاة في سبيل الله إلى غير ذلك مما يشترك فيه جميع المسلمين واما ما يجمع فيه الزكاة والخمس والصدقات ووجوه المظالم وغيرها مما يكون مختصا بالفقراء فلا يكون من بيت المال في شئ ولا يجوز صرف ما يجمع فيه في مصالح المسلمين بل لا بد ان يعطى بمستحقيه من الفقراء كما أنه لا يجوز صرف ما يشترك فيه جميع المسلمين في سبيل الفقراء أيضا فما يظهر من بعض من أن المراد من بيت المال أعم ما يجمع فيه ما يشترك فيه جميع المسلمين ولا بد ان يصرف في مصالحهم وما يختص بطائفة منهم كالفقراء والسادات بحيث لا يجوز التعدي عنهم ليس على ما ينبغي لان التأمل الصادق في كلماتهم يشهد بان مرادهم من بيت المال ليس إلا ما ذكرنا.
وكيف كان فلنرجع إلى بيان حكم الارتزاق في الصور المذكورة فنقول ان الكلام فيها في مقامين أحدهما في تكليف والي بيت المال وانه هل يجوز له اعطاء الرزق في جميع الصور الأربع أو لا يجوز الا في بعضها