قلت قولنا بجواز السماع إنما هو فيما إذا لم يتوقف على إلزام المدعى عليه وأما إذا توقف عليه فلا نقول بجوازه أيضا لما قد ذكر من الوجه والقول بأن السماع مطلقا مستلزم للالزام على المدعى عليه فاسد جدا لعدم الملازمة بينهما كما لا يخفى بل في أغلب الموارد لا يتوقف عليه أصلا.
فإن قلت قولكم بعدم وجوب سماع الدعوى المجهولة في المقام ينافي ما ذكروه في المسألة السابقة من أنه لو ادعى شخص ان لي على فلان دعوى ومخاصمة وكان المدعى عليه حاضرا والتمس من الحاكم احضاره انه عليه احضاره وإن لم يحرر الدعوى وجه المنافات انه مع عدم تحرير الدعوى يكون الدعوى مجهولة فما وجه امتيازها عما نحن فيه.
قلت أما أولا فقد انعقد الاجماع على الحكم المذكور في المسألة السابقة بخلاف ما نحن فيه فيمكن الفرق بينهما من تلك الجهة وأما ثانيا فنمنع كون المسألة السابقة من قبيل ما نحن فيه لان قول المدعى ان لي على فلان دعوى ليس هو بنفسه ادعاء على أحد حتى يقال بكونه مجهولا أو معلوما وإنما هو اخبار عن أن لي (له خ) دعوى على فلان غاية الأمر احتمال كون هذه الدعوى المخبر بها مع عدم تحريرها كما هو المفروض مجهولة وأين هذا من كون الدعوى مجهولة وأي دخل له بما نحن فيه فافهم واغتنم.
قوله ولا بد من إيراد الدعوى بصورة الجزم أقول الكلام في المسألة يقع في مقامين أحدهما في تكليف المدعى بالنسبة إلى ايراد الصيغة وانه أي شئ ثانيهما في تكليف الحاكم بالنسبة إلى الحكم وانه هل يشترط في وجوب السماع والحكم عليه أن يكون الدعوى واردة بصورة الجزم أم يكفي غيرها أيضا.
أما الكلام في المقام الأول فنقول انه لا إشكال بل لا خلاف بل لا يعقل الخلاف في أنه يجوز للمدعي إيراد الدعوى بصورة الجزم إذا كان قاطعا بثبوت المدعى وفي انه لا يجوز إذا كان قاطعا بعدم ثبوته لأنه كذب وافتراء وإنما الاشكال والخلاف فيما إذا لم يكن قاطعا بأحدهما لا بثبوت المدعى ولا بعدمه سواء كان ظانا بأحدهما أو كان شاكا فيهما فإن المستفاد من كلام جماعة من الأصحاب هو عدم الجواز لأنه كذب وتدليس وظاهر بعض جوازه أيضا والحق أن يقال إنه لو قلنا بأن قول المخبر اطلب من فلان مع عدم علمه بذلك بل شكه فيه كذب أو تدليس محرم كما هو ظاهر جماعة فبالحري أن نفصل في المسألة بين ما إذا كان عند المدعي امارة شرعية على الحق كاقرار من المدعى عليه أو قيام البينة عنده وتوقف احرازه على ايرادها بصورة الجزم أو كان فيما يعسر الاطلاع عليه غالبا وكان في مظان وجوده بحيث لو لم يبرزها بصورة الجزم بطل حقه كثيرا ما وبين غير هاتين الصورتين فيحكم بالجواز في الصورتين الأوليين من حيث وجود مصلحة مجوزة وبعدم الجواز في الصورة الأخيرة من حيث عدم وجود مصلحة مجوزة وإن لم نقل بذلك كما هو ظاهر بعض من حيث عدم علمه بكون اخباره هذا مخالفا للواقع حتى يكون كذبا وعدم ترتب شئ على هذا التدليس لو كان تدليسا وعدم دليل أيضا على حرمة التدليس بقول مطلق فيحكم بالجواز حينئذ مطلقا هذا ولكن في تعيين أحد المسلكين اشكال وعليك بالتأمل في تعيينه وإن كان القول الأخير لا يخلو من قوة هذا كله فيما إذا قال اطلب عن فلان الظاهر في الجزم مع عدم جزمه بحسب الواقع وأما لو قال إني أعلم أو أقطع بان لي على فلان كذا وكذا فلا إشكال في كونه كذبا لا دليل على جوازه بل الأدلة الأربعة متطابقة على منعه هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما المقام الثاني وهو بيان تكليف الحاكم من حيث وجوب السماع وعدمه فتقول ان الكلام فيه يقع في موضعين أحدهما في تكليفه فيما إذا أورد الدعوى بصورة الجزم ثانيهما فيما إذا أوردها