وهذا خلاف الظاهر منهم كما ستقف عليه.
إذا عرفت ذلك كله فاعلم أن الحق في المقام هو أن يقال إن العدالة عبارة عن الملكة الرادعة وليست عبارة عن الملكة التي من شأنها الردع وإن لم تتصف به فعلا لأنها أيضا لا تنافى مع الاخلال بالواجب أو الحرام واقعا الذي هو الفسق على جميع التقادير والاحتمالات ولا عبارة عن نفس عدم الاخلال بفعل الواجب وترك الحرام وإن لم يكن عن ملكة لظهور كونها من الصفات النفسانية لا الأفعال والتروك بل يمكن أن يقال إن مراد من عبر بذلك - التعبير هو عدم الاخلال المستند إلى الملكة لا عدم الاخلال ولو اتفاقا لعدم الملازمة بينه وبين العدالة أصلا كما لا يخفى بل لك أن ترجع كلام من عبر بالملكة المطلقة إلى ما ذكرنا.
فتحصل مما ذكرنا كون العلماء بأسرهم متفقين على كون العدالة هي الملكة الرادعة بل يمكن أن يقال إنها لم تنقل عن معناها اللغوي أصلا وإنما هي باقية عليه فإن الاستقامة في كل شئ بحسبه فاستقامة الشخص في الواجبات الشرعية ومحرماتها بقول مطلق هي عبارة عن عدم الاخلال بهما الذي نشأ عن ملكة وحالة باطنية فأخذ الملكة ليس من جهة كونها قيدا زائدا بل من جهة عدم تحقق الاستقامة المطلقة فيما ذكر بدونها فيظهر من ذلك كلة فساد ما أدعاه بعض مشايخنا طاب ثراه من ثبوت الحقيقة الشرعية في العدالة والعجب أنه قد ادعى الضرورة عليه هذا كله في بيان المراد من موضوع العدالة.
وأما الكلام في طريق ثبوتها فهل هو نفس الاسلام مع عدم ظهور الفسق كما هو ظاهر كلام الشيخ ومن يحذو حذوه فيصير الأصل في المسلم العدالة إلى أن يعلم الخلاف أو حسن الظاهر كما هو ظاهر جماعة كثيرة أو لا يكتفى بهما بل لا بد من العلم أو البينة ونحوهما مما ثبت شرعا اعتباره كما هو ظاهر المصنف في المسألة الآتية و صريح الشهيد في الدروس في مسألة الجماعة أقوال.
للأول الأصل حيث إن الظاهر من حال المسلم من حيث هو مسلم عدم ارتكابه للمعاصي وهو المدرك في حمل أفعاله على الصحة وطائفة من الاخبار التي يظهر منها ذلك منها صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران قال فقال إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا وأقيم الحد على الذي شهدوا عليه انما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا به وعلموا وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم إلا أن يكونوا معروفين بالفسق ومنها رواية العلا بن سبابه قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام فقال لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق ومنها ما روى الكليني باسناده إلى سلمة بن كحبل قال سمعت عليا (عليه السلام) يقول لشريح لعنه الله في حديث طويل واعلم أن المسلمين عدول بعضهم على بعض إلا مجلود في حد لم يتب منه أو معروف بشهادة زور أو ظنين إلى غير ذلك من الروايات التي يقف عليها المتتبع في كتب الاخبار.
وللثاني أيضا طائفة من الروايات منها رواية يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن البينة إذا أقيمت على الحق أيحل للقاضي أن يقضي بقول البينة من غير مسألة إذا لم يعرفهم قال خمسة أشياء يجب على الناس الاخذ فيها بظاهر الحكم الولايات والمناكح (والتناكح خ) والمواريث والذبايح والشهادات فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسئل عن باطنه ومنها رواية عبد الله بن مغيرة عن الرضا (عليه السلام) قال كل من ولد على الفطرة وعرف بصلاح في نفسه جازت شهادته ومنها رواية عبد الله بن أبي پعفور قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) بما تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم فقال أن يعرفوه بالستر والعفاف والكف عن البطن