بقسميه فثبوت التجري فيما لو اعتقد الفاعل كون الفعل كبيرة مما لا إشكال فيه كما سيجئ الإشارة إليه وإن لم يكن اختلافهما راجعا إلى المصداق بل إلى المفهوم حسبما هو محل الكلام فنمنع من ثبوت التجري بالنسبة إليه غاية الأمر ان الفاعل أطلق لفظ الكبيرة على جميع المعاصي وأعتقد كونه (كونها خ) كبيرة وهذا لا دخل له بمسألة التجري وإنما هو خطأ في التسمية والاجتهاد.
توضيح ذلك أن تأثير التجري على القول به إما في جعل ما لا عقاب له ولا أثر له بمنزلة ما هو كذلك واقعا من حيث تعلق الاعتقاد بكونه ذلك كما إذا اعتقد خمرية مايع كان في الواقع ماء وأما في جعل ما هو ضعيف واقعا بحسب المرتبة بمنزلة القوى بحسبها من حيث تعلق الاعتقاد كما إذا اعتقد خمرية مايع كان في الواقع عصيرا عنبيا ومعلوم ان كليهما غير موجودين في المقام أما الأول فظاهر وأما الثاني فلان المفروض عدم تعلق اعتقاده بكبيرية معصية من حيث اعتقاده بكونها الكبيرة المفروغ عن كونها كبيرة وإنما تعلق اعتقاده بكون الكبيرة اسما لمطلق المعصية أو قسم خاص منها ويكون قد أخطأ في هذا الاعتقاد باعتقاد غيره وهذا مما لا دخل له بحديث التجري أصلا كما لا يخفى هذا كله فيما لو كان الاختلاف راجعا إلى الاختلاف في المفهوم.
وأما الكلام في القسمين الأخيرين وهما ما إذا كان اختلافهما ناشيا من الاختلاف في المصداق سواء كان راجعا إلى الموضوع المستنبط أو إلى الموضوع الخارجي فنقول ان مقتضى ما ذكرنا في القسم الأول هو كون الكبيرة فيهما أيضا تابعة لاعتقاد من يريد ترتيب الأثر مطلقا سواء كان الحاكم أو الشاهد لقضية كونها من أحكام الوضع التي تكون تابعة لاعتقاد من يعتقد وجودها من غير تأثير لاعتقاد غيره فيها فإذا اعتقد الفاعل كون الغناء بجميع أقسامه حتى ما كان منه عاريا عن اللهو مما أوعد عليه في الكتاب بالنار وأعتقد غيره خلاف ذلك وكون ما أوعد عليه النار منه خصوص ما كان مع اللهو لم يجز له تفسيقه بمجرد فعله ما لم يكون لاهيا به وإذا كان الامر بالعكس يجوز له تفسيقه هذا إذا كان الاختلاف ناشيا من الموضوع المستنبط وهكذا الكلام إذا كان اختلافهما ناشيا من الموضوع الخارجي فإذا اعتقد الفاعل كون المايع الفلاني خمرا فشربه وأعتقد غيره كونه عصيرا عنبيا لا يجوز له تفسيقه وإن كان عكس ذلك يجوز له تفسيقه هذا مقتضى ما أدى إليه النظر الدقيق.
لكن يمكن أن يقال بناء على تأثير التجري في جعل غير الواقع بمنزلة الواقع بجواز التفسيق في الصورة الأولى منهما بأن يقال إن علة جعل الشارع فعل الكبيرة مفسقا كونها كاشفة عن قلة المبالاة والاكتراث في الدين فإذا صار هذا المعنى مكشوفا بالتجري يجب الحكم بفسق المتجري وإن لم يكن فاعلا للكبيرة بحسب الواقع فيجوز للغير حينئذ تفسيقه وإن لم يكن فاعلا للكبيرة باعتقاده ويمكن أن يقال بناء على هذا بعدم جواز التفسيق في الصورة الثانية منهما حيث إن الفاعل لما اعتقد كونها صغيرة يفعلها برجاء كونها مكفرة بالاجتناب عن الكبيرة فلا قلة مبالات فيه حتى يحكم بفسق فاعله فيصير الحكم بالتفسيق على هذا تابعا لاعتقاد الفاعل مطلقا لكن هذا المبنى غير ثابت عندنا فإنا لا نقول بتأثير التجري في فعل المتجري به بأن يجعله كالواقع فلا بد أن يراعى حينئذ ما ذكرنا من مقتضى القاعدة من كون الحكم بالتفسيق دايرا مدار اعتقاد الحاكم اللغوي الأعم من القاضي والشاهد هذه خلاصة ما ذكره الأستاذ العلامة في التفصي عن الاشكال الذي أورده على الجماعة وقد استقر به أيضا دامت إفادته ولا يخلو عن قرب.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى ما كنا فيه فنقول ان الحق موافقا للمشهور هو عدم كفاية الاطلاق في الجرح بل يشترط فيه ذكر السبب لنا على ذلك عدم قيام الدليل على وجوب تصديق الشاهد في المقام بقول مطلق وجعل ما أخبر به واقعا وترتيب آثار الواقع عليه ونفي احتمال الكذب عنه كذلك من حيث رجوع اخباره إلى