حيث تعمده فيه وأما نفيه من جهة خطئه واجتهاده فلم يدل عليه ما دل على نفي احتمال الكذب عنه فإن كان هناك ما يدل على نفي هذا الاحتمال عنه نأخذ بخبره كما في الحسيات فإن بناء العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال الخطأ والاشتباه فيها من حيث ملاحظة قلة وقوع الخطأ فيها وإن لم يكن هناك ما ينفي هذا الاحتمال كما في الحدسيات حيث إن بناء العقلاء على عدم التمسك فيها بأصالة عدم الخطأ والاشتباه فلا نأخذ به.
وأما الثاني فمن المعلوم ان من استعمل لفظا في معنى باعتقاده كونه هو الموضوع له أو مصداقه وإن علم بخطئه في هذا الاعتقاد لم يكن هذا الاستعمال استعمالا مجازيا حتى يدفع بأصالة الحقيقة وأصالة عدم القرينة فإنه إذا استعمل أحد لفظ زيد في عمر وبإعتقاد كونه هو الموضوع له لم يكن هذا الاستعمال مجازيا فيه (منه خ) فإنه إنما استعمل اللفظ فيما وضع له غاية الأمر انه أخطأ في كون هذا هو ومن المعلوم ان هذا لا يوجب تجوزا في اللفظ بل قد ذكرنا في الأصول ان استعمال اللفظ في الحقيقة الادعائية مع القطع بكونها غير الموضوع له حقيقة فضلا عن الحقيقة الاعتقادية وهذا أمر واضح لا سترة فيه بعد التأمل في الاستعمالات.
فإن قلت لو كان البناء على وجوب التفسير في المقام وأشباهه ولم يقبل الشهادة إلا مفصلة من حيث رجوعها إلى الاخبار عن الحدس والاجتهاد فلا يجوز قبولها إلا مع ذكر المستند حتى يعلم الموافقة فيعمل بها لوجب التفسير في كثير من الموارد كما في الشهادة على الملكية والزوجية والنجاسة وأشباهها حيث إنها أيضا مما اختلف المذاهب في أسبابها وموجباتها ومن المعلوم لكل جاهل فضلا عن عالم انه لم يقل أحد بوجوب التفسير فيها بل بنائهم على سماع الشهادة فيها مطلقة فكيشف هذا كله عن أن ما دل على وجوب تصديق العادل لا يفرق فيه بين ما إذا أخبر عن حس أو حدس فيدل على وجوب حمل اخبار العادل عن هذه الأشياء على ما هو كذلك في الواقع حتى يثمر في حق غيره أيضا.
قلت أما مسألة الملكية والزوجية وأمثالهما فليس بنائهم على قبول الشهادة فيها مطلقة من جهة مجرد الامر بتصديق العادل حتى يستكشف منه كون أدلة تصديق العادل عامة من حيث اخباره عن الحس والحدس بل إنما هو بانضمام أصالة الصحة في تلك الأمور وهذا خارج عن محل الفرض فإن كلامنا فيما إذا لم يكن هناك أصل يحرز الواقع به ومعلوم ان أصالة الصحة في الأمور المذكورة من الأصول التي يحرز بها الصحة الواقعية حتى عند الحامل حسبما هو عليه بناء المشهور المنصور خلافا لبعض المتأخرين حيث إنه ذهب إلى أن غاية ما دل على اعتبار أصالة الصحة هي الصحة عند الفاعل لا عند الحامل فبأصالة الصحة في المشهور يحرز الحاكم كون السبب الواقع في الخارج كالبيع والنكاح هو السبب الواقعي حتى عنده أو كون المسبب وهي الملكية مثلا هو المسبب الواقعي الذي يكون جميع الناس مأمورا بترتيب الأثر عليه فيصير حال هذا الأصل في المقام حال أصالة عدم الخطأ الجارية في الاخبار عن المحسوسات والحاصل ان كلامنا في المقام في أنه هل يجوز التمسك بما دل على وجوب تصديق العادل لوجوب تصديقه في الحدسيات والاجتهاديات ونفي احتمال الكذب عن خبره بها أم لا وهذا لا دخل له بما لو كان هناك أصل موضوعي تعبدي أمرنا بالأخذ به.
ومما ذكرنا تعرف فساد ما ذكره جمع من الاعلام دليلا للقول بكفاية الاطلاق في الجرح من وجوب حمل أخبار العادل على الواقع وإن كان رأيه مخالفا لرأي الحامل ما لم يعلم الاستناد إليه وإلا لوجب القول بعدم كفاية الاطلاق واشتراط التفصيل في كثير من الموارد كما في الملكية والزوجية ونحوهما مما اختلف الأصحاب في أسبابها مع أن بناء المشهور بل الكل على عدم وجوب التفسير فيها فهذا يدل على أن ما دل على وجوب تصديق