وأما الكلام في الموضع الثاني وهو المدعى فقد ذكر بعض الأصحاب انه يشترط فيه أن يذكر جحود المدعى عليه وإلا فلا تسمع دعواه نظرا إلى ظهور الأدلة كقوله (صلى الله عليه وآله) انما اقضي بينكم الخبر واقض بين الناس في اختصاص القضا بصورة تحقق الخصومة والتشاجر هذا ولكن الحق الذي عليه المحققون بل لا يبعد دعوى الاجماع عليه كما أدعاه بعض الأساطين عدم اشتراط ذلك لنا عليه اطلاق ما دل على القضاء على الغائب ولا يعارضه قوله انما أقضي بينكم بالبينات والايمان وأشباهه.
أما أولا فبمنع دلالته على وجود الخصومة لان لفظة بينكم وإن كان له ظهور فيما ذكر ابتداء إلا أنه بعد التأمل يعلم أن المراد منه هو الحكم فيما كان هناك دعوى من المدعي والقول بعدم صدق الدعوى إلا فيما علم الجحود من المدعى عليه فاسد جدا ويشهد لما ذكرنا بل يدل عليه تحقق الحكم والقضاء في موارد لم يتحقق فيها الخصومة من المدعى عليه كما في الدعوى على الصغير والمجنون والميت مع عدم من يكون منكرا وجاحدا من قبلهم بل يمكن القول بعدم تحقق الخصومة في القضاء على الساكت والمجيب بلا أدري أيضا.
وأما ثانيا فبأنه على فرض تسليم دلالته لا يعارض ما ذكرنا من اطلاق ما دل على القضاء على الغائب كالخبرين وغيرهما لعدم وجود التنافي بينهما كما لا يخفى لكونهما مثبتين فلا دليل على حمل المطلق على المقيد هنا فيؤخذ بالاطلاق.
وأما ثالثا فبأنه على فرض تسليم دلالته على الاشتراط فلا بد من العلم بالجحود والانكار حسبما هو قضية الاشتراط فلا دليل على كفاية ذكر المدعي والقول باعتبار قوله في ذلك من حيث إنه لو بنى على عدمه لأفضى إلى تضييع الحقوق غالبا ليس بأولى من عدم اعتبار وجود المخاصمة للوجه المذكور فتأمل هذا وقد يقال بان اشتراطهم ذكر المدعي من حيث حصول العلم غالبا من ذكره من حيث عدم الداعي لكذبه في ذلك وفيه نظر لا يخفى على الناظر فيه وكيف كان لا إشكال في الحكم والقضاء ما لم يعلم باعترافه وإقراره بما يدعيه المدعي حسبما ذكرنا وإن علم باعترافه ففي تحقق القضاء هنا وجهان التكليف ليس قضاء بل هو من الأمر بالمعروف فراجع وتأمل هذا مجمل القول في الموضع الثاني.
وأما الكلام في الموضع الثالث فتفصيل القول فيه أن المدعى عليه الغائب لا يخلو إما أن يكون مسافرا بحد المسافة الشرعية أو ما دونه أو غير مسافر سواء كان غائبا عن مجلس القضاء أو البلد الذي يقضي فيه القاضي المشهور بين الأصحاب المدعى عليه الاجماع جواز القضاء على الغائب في جميع الصور والمحكي عن يحيى بن سعيد اختصاص الحكم بالقسم الأول أي من كان مسافرا بحد المسافة الشرعية والمحكي عن الشيخ في المبسوط و الشهيد في تعليق الارشاد عدم جواز القضاء على الغائب عن مجلس القضاء إلا بعد تعذر الحضور فيكون حكمه حكم الحاضر في مجلس الحكم وهذا هو الحق فبالحري قبل الخوض في أدلة الأقوال ان نقدم أمرا به يتضح محل النزاع ويرتفع حجاب الاجمال وهو ان المدعى عليه لا يخلو إما أن يكون حاضرا في مجلس القضاء أو غائبا عنه وعلى الثاني ينقسم إلى الأقسام الأربعة المتقدمة وعلى جميع تقادير القسم الثاني لا يخلو إما أن يتعذر عليه الحضور أو لا يتعذر فإن كان حاضرا في مجلس القضاء فلا إشكال في عدم جواز القضاء عليه إلا بعد السؤال عنه بل لم أجد من خالف فيه يعتد به وقد ورد به الأخبار المستفيضة من الأئمة الأطهار منها رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا تقاض إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع من الآخر فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء ومثله المروي عن الصادق (عليه السلام) أيضا إلا أن فيه بعد الحكم بعدم السماع إلا بعد السؤال