على اليمين إنما هو باعتبار كون مقتضى الأصل الأولي كون اليمين على من أنكر وان توجهها إلى غيره إنما هو بعد امتناعه عنها وهذا التعذر لا يقتضي الاتحاد بينهما في السنخ فيؤخذ في جانب المدعي بما اقتضاه الأصل الأولي المستفاد من العمومات من كون اليمين على البت مطلقا ثم إنه على تقدير تسليم كون اطلاق المردودة عليها مسامحة لا يوجب رفع اليد عن مقتضى العمومات والأصول الأولية وهذا مما لا إشكال فيه إن شاء الله.
الثالث انه هل يشترط دعوى العلم في صحة اليمين من المدعى عليه أم لا وجهان من ظهور كلماتهم في الاشتراط ولزوم التطابق بين اليمين والدعوى مهما أمكن ومن اطلاق الاخبار وإن شئت قلت هل دعوى العلم شرط أو الاعتراف بعدمه مانع وظاهر كلماتهم وان اقتضى الأول لكن يمكن أن يقال إنها مسوقة لبيان مانعية الاعتراف وكون المدعي باقيا على ادعائه ولهذا يتفرعون على اشتراط دعوى العلم انه لو اعترف المدعي بعدمه لم يتوجه اليمين على المدعى عليه ولم تسمع دعواه بدون بينة ولو لم تكن مسوقة لبيان ما ذكر لزم التفريع عليه بأنه لو لم يدع العلم فتدبر.
الرابع انه لا إشكال في كفاية التعرض لدعوى العلم في ضمن دعوى الواقع حسبما هي قضية كلماتهم على تقدير اشتراط دعوى العلم أو على تقدير عدمه وتعرض المدعي له وهل يكفي دعوى العلم مستقلا من دون انضمامها إلى دعوى الواقع أو لا بد من انضمامها بدعوى الواقع التحقيق أن يقال إنه ان علم أن مراد المدعي من قوله للوارث مثلا أنت تعلم باشتغال ذمة مورثك لي هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع بحيث لا يشمل الجهل المركب فلا إشكال في كفايته لأنه متضمن لدعوى العلم والواقع معا وإن لم يعلم ذلك فإن بنينا على أن كلما ينفع الاقرار به تسمع دعواه حسبما هو قضية قول المشهور فيحكم بسماعها أيضا لأن الظاهر أنه لا فرق في إلزام المقر باقراره بين أن يقر باشتغال الذمة أو بعلمه به فإنه يؤخذ بالثاني كما يؤخذ بالأول وإن كان المقر له في كلتا الصورتين شاكا في اشتغال ذمة المقر وإن لم نبن على ذلك حسبما قواه الأستاذ العلامة وقلنا بأن سماع الدعوى إنما هو فيما إذا كان المدعى مالا أو يترتب عليه المال ففي الحكم بالسماع اشكال فإن مجرد علم المدعى عليه باشتغال الذمة بالمعنى الأعم من المطابق للواقع والجهل المركب لا يستلزم اشتغال ذمته واقعا حتى يترتب عليه أخذ المال فيما قام البينة عليه أو حلف المدعي عليه بعد رد اليمين إليه فتأمل حتى لا يختلط عليك الامر.
الخامس انه بعد ما حكمنا بأن اليمين على نفي العلم كاليمين على البت في كون كل منهما ميزانا للقضاء فهل تسمع البينة بعدها أم لا وجهان من عدم التنافي بينهما لأن عدم علم المدعى عليه بالاشتغال لا ينافي ثبوته في الواقع الذي قامت به البينة فلا وجه لطرح ما دل على اعتبارها ومن أن مقتضى كونها فاصلة ورافعة للخصومة عدم سماع دعوى المدعي بعدها كاليمين على البت أوجههما عند جماعة والأستاذ دام ظله هو الأول وهو الحق لنا ما مر في وجهه من عدم التنافي بين البينة على الواقع واليمين على عدم علم المدعى عليه به وفي كل مورد لم يكن هناك منافاة بين سماع البينة واليمين يؤخذ بعموم أدلة البينة وهذه قاعدة جارية في جميع الموارد وإن خالف فيها بعض ولهذا يحكم بسماع البينة في اليمين المردودة في الجملة وأما وجه عدم سماعها بعد حلف المنكر على البت فإنما هو من جهة منافاة مفاد البينة لمفاد اليمين حسبما هو المفروض فلا بد من رفع اليد عما يقتضي اعتبار البينة وإلا لزم عدم كون اليمين فاصلة وهو خلاف المفروض هذا مضافا إلى ما دل على عدم سماع البينة من المدعي بعد رضائه بحلف المنكر لا يقال إنه يشمل اليمين على نفي العلم أيضا فما وجه التفصيل بينهما لأنا نقول الظاهر منه اليمين على البت فراجع فافهم وتدبر.