نعم لو كان الاكراه من أفراد الاضطرار بأن كان المعتبر في تحقق موضوعه عرفا أو لغة العجز عن التفصي كما أدعاه بعض أو قلنا باختصاص رفع حكمه بصورة الاضطرار بأن كان عدم ترتب الأثر على المكره عليه من حيث إنه مضطر إليه لدفع الضرر المتوعد عليه به عن النفس والمال كان ينبغي فيه اعتبار العجز عن التورية لعدم الاضطرار مع القدرة عليها انتهى كلامه من الله علينا بطول بقائه وعليك بالتأمل فيه فإنه لا يخلو عن تأمل.
ثم إنه قد حكي عن بعض عدم وجوب اعتبار التورية في المقام من حيث كونها كذبا أيضا فلا ينفع التفصي بها أيضا ولكنه لا يخفى فساده للمنع من كون التورية كذبا لان الكذب هو مخالفة ما أراده المخبر من الخبر للواقع لا مخالفة ما يظهر من ظاهر اللفظ له ولو لم يكن مرادا من اللفظ أصلا ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يجعل الكذب هو مخالفة الخبر للواقع أو الاعتقاد أو كليهما معها لأنه على الثاني عبارة عن مخالفة ما أراده المتكلم من الخبر لاعتقاده وعلى الثالث عبارة عن مخالفته للواقع واعتقاده وبالجملة لا إشكال كما عليه جمع من المحققين في عدم كون التورية كذبا هذا مع أنه لو سلم كونها كذبا لكن يمكن أن يقال الفرق بينها في مرتبة القبح وبين الكذب فتأمل هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو الحكم الوضعي بالنسبة إلى الحاكم فنقول انه ان علم الحاكم صدق المنكر في انكاره فلا يحتاج إلى اليمين أصلا بل يقضي بمقتضى علمه حسبما عرفت تفصيل القول فيه وفي الحقيقة هذه الصورة خارجة عن محل الكلام وإن لم يعلم به فإن اطلع على تورية الحالف في حلفه فيلزمه على الحلف من غير تورية وإن كان محقا في اعتقاده فإن حلف وإلا فيقضى عليه بعد النكول أو الرد على القولين وإن لم يطلع عليها فيؤخذ بظاهر اللفظ هذا مجمل القول في المقام الثاني.
وأما الكلام في المقام الثالث وهو ما إذا كان الحالف جاهلا بالحال فيقع أيضا في موضعين أحدهما في الحكم الوضعي ثانيهما في الحكم التكليفي أما الكلام في الموضع الأول فالحق عدم كفايته فيما يعتبر فيه اليمين على البت فيحكم الحاكم عليه لو اطلع على الحال بما يحكم عليه إذا لم يحلف أصلا وأما الكلام في الموضع الثاني فيقع في مقامين أحدهما فيما إذا ورى في حلفه ثانيهما فيما إذا احلف على الواقع.
أما الكلام في المقام الأول فالحق فيه الجواز لعدم الدليل على المنع عدا ما يتوهم من ظهور بعض الأخبار المتقدمة وهو وهم لأنها على فرض تسليم دلالتها على حرمة التورية منصرفة إلى غير الصورة وأما الكلام في المقام الثاني فالحق فيه أيضا الجواز لعدم العلم بكونه كذبا وقد مر بعض القول في ذلك فيما تقدم فتحقق من ذلك أن حكم الحلف بالنظر إلى الأثر الوضعي في المقامين واحد.
إذا عرفت ما تلونا عليك في المقامين علمت أن الحق فيما ذكروه في المقام من أن العبرة بنية الحالف أو القاضي هو التفصيل بين الحكم التكليفي والوضعي فالعبرة في الأول بنية الأول وفي الثاني بنية الثاني والله العالم ولعل ما ذكرنا لم يكن فيه خلاف بين الأصحاب إلا من ظاهر بعض مشايخنا المتأخرين فإنه ذهب إلى أن العبرة بنية القاضي ولو علم بعدم قصد الحالف للحلف بالله تعالى وقد نقلنا كلامه فيما سبق وأوردنا عليه بما لا يخفى وروده فراجع.
ومما يوضح ما ذكرنا من أن مراد من قال من الأصحاب ان العبرة بنية القاضي انما هو في الحكم الوضعي دون التكليفي وان مرادهم من كون العبرة بها إنما هو إذا كان هناك طريق له إلى احراز الحلف المعتبر شرعا ولو كان هو ظاهر اللفظ لا ان العبرة بها ولو قطع بأن مراد الحالف غير الحلف المعتبر شرعا كلام العلامة