وقد يختلج بالبال جواب ثالث عن هذا الاشكال لم يتعرض له أحد فيما اعلم وهو أن يقال إن المراد من الكشف هنا هو الكشف بغير البينة وليس هو جهة الارشاد إلى ما ذكر بل هو واجب على الحاكم قبل مراعاة البينة واليمين لكن الدليل على وجوبه في المقام وخصوصيته من بين سائر الدعاوى هو انه لو بنى على عدم البحث (الفحص خ) في دعوى الاعسار لأدى إلى إبطال الحقوق كثيرا بل إلى اختلال النظام لأنه لو بنى على عدم الفحص لانجر إلى ادعاء كثير من المديونين الاعسار فتأمل.
ثم إن هنا إشكالا اخر أورده الأستاذ العلامة دام ظله وجماعة من الأصحاب كصاحب المسالك وغيره على ما ذكره المصنف في باب المفلس من التفصيل فيما إذا كان الدعوى مسبوقة بمال في الاحتياج إلى اليمين مع البينة بين ما إذا شهدت على التلف أو الاعسار يأتي التعرض له تفصيلا إن شاء الله في طي كلماته الآتية.
فلنصرف عنان القلم إلى بيان الحكم في المقام على حسبما يقتضيه المجال (الحال خ) بعون الملك المتعال فنقول ان الكلام فيه يقع في مقامين أحدهما فيما لم يكن الدعوى مسبوقة بمال أي دعوى الاعسار مسبوقة بمال عرف للمدعى ولم تكن الدعوى أيضا مالا أي دعوى المدعي على المقر المدعي للاعسار مثل دعوى الدين ونحوها وهذا في الحقيقة راجع إلى الشق الأول كما لو كانت الدعوى جناية أو صداقا أو نفقة زوجة أو قريب إلى غير ذلك ثانيها فيما لو كانت الدعوى مسبوقة بمال.
أما الكلام في المقام الأول فملخصه ان المشهور بين الأصحاب بل لم يعرف فيه خلاف بل ادعى - الاجماع عليه جماعة منهم شيخنا الأستاذ دام ظله ان القول قوله مع يمينه فالاكتفاء باليمين منه في تلك الصورة مما لا إشكال فيه عندهم وإنما الاشكال في وجه الاكتفاء باليمين هل هو من جهة كونه منكرا من حيث كون قوله موافقا للأصل كما هو المعروف بينهم حسبما يظهر من استدلالاتهم في المقام أو من جهة كونه مدعيا يكتفى منه باليمين كما يكتفى منه في كثير من المقامات فنقول انك قد عرفت أن المعروف بينهم ان الوجه في الاكتفاء باليمين هو كونه منكرا من حيث كون قوله موافقا للأصل وقد اعترض عليهم بعض مشايخنا طاب ثراه بما حاصله ان المراد من الأصل إن كان أصالة كونه الشخص معسرا أي الأصل في طرف الاعسار فهو متوقف على كون المعسر أمرا عدميا حتى يكون موافقا للأصل وهو غير ثابت بل الثابت عندنا كونه أمرا وجوديا كاليسر فالعسر واليسر ضدان لا نقيضان وإن كان المراد منه أصالة عدم المال أو اليسار فيثبت بها كونه معسرا ففيه ان هذا مبني على اعتبار الأصول المثبتة في الأحكام الشرعية والثابت عندنا عدم اعتبارها مع امكان أن يقال بعدم اجراء أصالة عدم المال للعلم بانقطاعها لان حالة عدم المال التي كانت للشخص قبل الولادة أو حينها ارتفعت قطعا للعلم عادة بثبوت المال له بعد ذلك فعدم المال ثانيا أمر جديد يحتاج إلى الاثبات انتهى حاصل ما أردنا نقله.
وقد نقل الأستاذ العلامة دام ظله كلاما لبعض المتأخرين في المقام قد أشار إليه شيخنا المتقدم في طي كلماته وحاصله بعد ادعاء كون العسر أمرا وجوديا يرجع إلى أن اثبات كون قول المدعي للاعسار موافقا للأصل وعدمه يتوقف على تحقيق ان الشرط في الانظار وترك المطالبة هل هو العسر فلا يحكم به مع الشك فيه أو الشرط في جواز المطالبة هو اليسار فلا تجوز مع الشك فيه وحيث إن ظاهر قوله تعالى فإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة هو كون العسر شرطا للأنظار فلا يحكم عند الشك فيه بكون قول مدعي الاعسار موافقا للأصل انتهى حاصل ما نقل عنه الأستاذ العلامة