الكلام فيما دل على حكم الأسباب الشرعية بالإضافة إلى ما دل على حكم الموضوعات أولا وبالذات ومنها ما دل على حكم المقدمة الواجبة والمحرمة فإنه يدل على عروض الوجوب مثلا للفعل الذي يكون مقدمة بهذا العنوان مع كون الفعل مع قطع النظر عن عنوان المقدمية متصفا بحكم من الأحكام الخمسة حسبما أشرنا إليه سابقا أيضا فوجوب المأمور به المقتضى لوجوب مقدماته كعقد النذر المقتضى لوجوب الوفاء بالنذر واتيان المنذور فلكل منهما سببية لهذا الوجوب فإن وجد محلا قابلا يؤثر فيه وإلا فلا ففيما نحن فيه إن كانت المقدمة قابلة لعروض الوجوب لها كما إذا كانت مباحة بالذات مثلا عرض لها الوجوب وإن كانت محرمة فلا يؤثر فيها فإن كانت منحصرة تعارض 1 حرمتها وجوب ذي المقدمة فيحكم بما هو الأهم والأرجح وإن لم تكن منحصرة فيسلم ما يدل على حرمتها عن المعارض 2 لان ما يدل على وجوب المقدمة لا يقبل المعارضة معه وما يدل على وجوب ذي المقدمة أيضا لا يعارضه لعدم أداء تركها إلى ترك ذي المقدمة لفرض وجود المقدمة المباحة فإن شئت قلت إن الامر يدور في المقام بين الوجوب التخييري والحرمة التعيينية ولا ريب في كون الثاني مقدما ومنها ما دل على استحباب - التعزية والرثاء للامام الثالث خامس أهل الكساء سيد الشهداء عليه وعلى أولاده آلاف التحية والثناء وما دل على استحباب إجابة المؤمن وادخال السرور في قلبه فإنه المستفاد من أدلة هذه الأمور وأشباهها كونها مستحبة لو خليت وطبعها خالية عما يوجب لزوم أحد طرفيها فلا يعارض ما دل على استحباب التعزية لما دل على حرمة الغناء فلا يمكن الحكم بجوازها في المرائي بل ما دل على حرمة الغناء حاكم عليه فإن مرجع استحباب التعزية إلى استحباب ايجادها بالسبب المباح.
نعم لو كان نفس الا بكاء مستحبا كما هو المستفاد من كثير من الروايات أمكن الحكم بالتعارض إن لم يفهم من دليله استحبابه بحيث لا يعارض الحرام إذا عرفت ما رسمنا لك من المقدمة الدقيقة الشريفة عرفت حكم المقام من غير احتياج إلى البيان وطول الكلام وعليك بالتأمل فيها واتفاقها فإن ببركتها وحفظها ينفتح لك أبواب من الفروع المغلقة وينحل لك الاشكال في كثير من المسائل المشكلة وهو العالم بحقايق الأشياء والهادي عباده إلى حقايقها ممن يشاء وهو الحكيم الخبير.
قوله وحلف الأخرس بالإشارة أقول هذا هو المشهور بين الأصحاب بل قد قيل بعدم خلاف فيه لان من يسند إليه الخلاف كلامه غير طاهر فيه ومستنده على ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله الاستقراء القطعي في جميع ما يصدر منه من العقود والايقاعات والعبادات القولية كالتكبير والتلبية والقراءة وغيرها فإن الشارع اكتفى من الأخرس في جميعها بالإشارة المفهمة ونزلها منزلة الكلام والقول وفحوى (1) ما ورد في كفاية إشارته في باب الطلاق فتأمل وبالجملة لا إشكال في أن الشارع أعطى إشارة الأخرس حكم الكلام ونزله منزلته ومن كان له علم بطريقة الشارع يصدق ما ذكرنا بل ادعى بعض مشايخنا دخول الإشارة من الأخرس في الكلام موضوعا وصدقه عليها حقيقة لان الكلام من كل شخص بحسبه فمن الصبي نوع ومن الأخرس نوع ومن غيرهما نوع آخر وإن كان فيه ما فيه من كونه مخالفا للضرورة والوجدان من استعمال العرف نعم لا ريب في صدق الكلام بمعنى الكلام والجرح عليه لكنه ليس بمعنى عرفي للكلام كما لا يخفى هذا.
ولكن ذكر المصنف في ظاهر كلامه كما ترى قولين آخرين والأول وهو وضع يده على اسم الله تعالى هو - المحكي عن الشيخ في النهاية ولكن كلامه المحكي عنه غير ظاهر فيما نسبه المصنف إليه من اختصاص اليمين