مع أنه لا إشكال بل ولا خلاف في أنه إذا ادعى المدعي حقا على الوارث مع اعترافه بأنك جاهل في بقاء تركة من أبيك لكني أعلم بأن له تركة في ذمتك وأقام البينة على ذلك تسمع دعواه بلا إشكال لكن هذه المسامحة لا تجرى في عبارة المصنف كما لا يخفى وجهه وبالجملة لا يخلو كلماتهم عن المسامحة قطعا من وجه بل من وجوه شتى فراجع إليها.
ثانيهما ان مراد المصنف وجماعة ممن ذكر اشتراط توجه اليمين بدعوى علم الوارث بالحق والموت ليس هو دعوى العلم بهما بمعنى الاعتقاد الجازم الأعم من أن يكون مطابقا للواقع أو لا بل مرادهم هو دعوى العلم بهما بمعنى الاعتقاد المطابق للواقع بحيث يتضمن دعويهما أيضا بحسب الواقع وإلا فلا يسمع دعواه أصلا حتى يتوجه إليه اليمين فقد اجتمع شرط أصل سماع الدعوى وتوجه اليمين في عبارة واحدة وكلام واحد وهذا مما لا غبار فيه أصلا.
إذا عرفت ذلك فنقول انه قد يذكر لاشتراط دعوى العلم وجوه.
أحدها ما يستفاد من كلام بعض السادة الفحول في مطلق اليمين على نفي فعل الغير مورثا كان أو غيره من أنه لو لم يدع العلم عليه لم يكن مدعى عليه حتى يتوجه عليه اليمين بما دل على توجهها عليه فلا يمكن أن يتمسك باطلاق ما دل على كون الوظيفة للمدعى عليه اليمين وانه لا يتخلص من الدعوى الا بها على نفي اشتراط دعوى العلم هذا حاصل ما يستفاد من كلامه.
ولكنك خبير بضعفه لان صيرورة الوارث مدعيا عليه وصدق هذا العنوان عليه لا يتوقف على دعوى العلم أصلا لأنه بنفس ادعاء المدعي موت المورث وتخلف تركته في يد الوارث واشتغال ذمته بحق المدعي وتكذيبه المدعي يصير مدعى عليه سواء ادعى عليه العلم أو لم يدع وبالجملة القول بعدم صدق المدعى عليه على الوارث وأمثاله من دون دعوى العلم فاسد جدا فلا يصغى إليه جزما وإنما اشترط من اشترط دعوى العلم من جهة توقف صحة اليمين من المدعى عليه وتوجهها إليه بها لا انها شرط في أصل سماع الدعوى من المدعي وانه لا يتحقق عنوان المدعى عليه حتى يدعي العلم وقد مر مرارا ان من يشترط دعوى العلم لا يجعلها دعوى مستقلة موجبة لليمين بحيث لا ربط لها بدعوى الواقع بل الموجب لليمين عنده أيضا هو دعوى الواقع وتكون جوابا لها لكن يشترط في صحة اليمين من المدعى عليه دعوى علمه بالحق فراجع وتدبر.
ثانيها ما يستفاد من كلام بعض الفحول من أن الوجه في اشتراط دعوى العلم انه لو لم يدع العلم لزم عدم مطابقة اليمين للدعوى وهو باطل لان ظاهر ما ورد في القضاء باليمين لزوم مطابقتها للدعوى وإلا لزم أن لا يكون فصل الخصومة باليمين لان اليمين على شئ لا تصير فاصلا لدعوى شئ آخر وقد مر جملة من الكلام في ذلك منافي عدم جواز الاستناد إلى الأصل في الحلف في مقابل (دعوى خ) الواقع فراجع.
ولكنك خبير بفساد هذا الدليل أيضا لأنك قد عرفت أن اليمين على نفي العلم ليست ميزانا لرفع دعوى العلم حتى يتحقق المطابقة بين الدعوى واليمين وإنما هي ميزان لرفع دعوى الواقع كاليمين على البت فانضمام دعوى العلم إلى دعوى الواقع لا ينفع في صيرورة اليمين مطابقة للدعوى التي أريد فصلها باليمين على نفي العلم.
واما التمسك بظاهر ما ورد في باب القضاء باليمين ففيه ان ظاهره حسبما عرفت هو اليمين على البت وعدم كفاية اليمين على نفي العلم ولو بعد ادعاء العلم ولكن قد ثبت بما قدمنا من الأدلة تسهيل الشارع لمنكر فعل الغير وترخيصه ان يحلف على نفي العلم فقد جعل الشارع اليمين الغير المطابقة للدعوى بمنزلة المطابقة في اليمين