جميع التقادير فلا مانع من الحكم بصحته في الجملة هذا مجمل القول في مصالحة المدعي باليمين.
وأما الكلام في الصورة الثانية وهو ما إذا صالح المدعي دعواه على اليمين بناء على جواز مصالحتها مع قطع النظر عن المدعى به على ما هو التحقيق عندنا من جوازها من حيث كون الدعوى في نفسها مما لها أثر لا دخل لها (له خ) بنفس المدعى به فنقول ان الكلام في عدم الامكان جعل هذه اليمين ميزانا للقضاء من حيث سقوط المخاصمة والدعوى قهرا على فرض صحة المصالحة قد عرفته سابقا فلا نطيل بالإعادة وأما الكلام في جواز صيرورتها عوضا للمصالحة من حيث كونها فعلا من الأفعال فنقول ان الحق عدم جوازها أيضا لما عرفت من لغويتها على تقدير العلم بصدق المنكر وعدم جواز الالزام بها بمقتضى المصالحة على تقدير العلم بكذبه أو الشك فيه فيحكم بفساد المصالحة لعدم اجتماع الشروط في عوضه فحكم الصورتين واحد من حيث فساد المصالحة فيهما وإن كان بينهما فرق على فرض صحة المصالحة فيهما فإن مصالحة المدعى به تستلزم سقوطه بخلاف صلح الدعوى فإنه إنما يقتضي سقوط الدعوى وأما سقوط المدعى به فلا فيجوز له المقاصة واقعا وسائر ما يترتب على الملكية الواقعية من الآثار الغير المستلزمة لمطالبة المدعى عليه ظاهرا فتأمل حتى لا يختلط عليك الامر.
الثاني انه كما لا إشكال في جواز مصالحة المدعي حقه أو دعواه بمبلغ مع المدعى عليه كذلك لا إشكال في جواز مصالحة المنكر يمينه التي تكون حقا له بحسب الشرع على مبلغ معين مع المدعى فيرفع يده عن حقه ويصالحه بشئ معين مع المدعى فيسقط الدعوى بمجرد المصالحة ويعطى المصالح عليه بالمدعى من دون جواز المرافعة له بحيث يطالب المنكر باليمين وهذا مما لا إشكال فيه.
إنما الاشكال في أنه هل يجوز للمدعي بعد قبول المصالحة المرافعة مع المنكر وإقامة البينة على الحق أو تقاصه من مال المنكر إذا ظفر عليه واقعا في صورة عدم إقامة البينة أم لا الأقوى وفاقا للأستاذ العلامة نعم لعدم المانع منه أصلا لان قبول عدم حلف المنكر بإزاء شئ لا يستلزم سقوط أصل الدعوى أو المدعى كما انا قوينا سابقا جواز التقاص فيما إذا صالح المدعي دعواه من حيث هي على دراهم مثلا مع المدعى عليه هذا.
ولكن قد يقال بل قيل بخلاف ما ذكرنا والحكم بعدم سماع الدعوى مع البينة وعدم جواز التقاص بدونها نظرا إلى أن بعد مصالحة المنكر يمينه بشئ وقبول المدعى لها يكون حكم هذا الشئ المجعول عوضا حكم اليمين شرعا بعد امضاء الشارع هذه المصالحة منهما ومن المعلوم الثابت في محله عدم جواز التقاص بعد يمين المنكر ولو كانت فاجرة لكنه لا يخفى عليك فساد ما ذكر إذ لا دليل أصلا على تنزيل العوض منزلة اليمين على النهج المذكور ومجرد امضاء الشارع لا دلالة له على ذلك كما لا يخفى نعم لو كان بناء المنكر في قصده حين المصالحة اسقاط اليمين عنه بحيث يسقط منه الحق والدعوى أيضا وقبلها المدعى بهذا العنوان أمكن القول بسقوط الدعوى رأسا وعدم جواز التقاص أيضا ولكنه ليس بلازم من مجرد مصالحة اليمين كما هو معلوم على كل أحد فتدبر.
الثالث انه قد ذكر جماعة ان العبرة في الحلف على نية المحلف والقاضي وذكر بعض ان العبرة بنية الحالف إن كان محقا وبنية المحلف إن كان مبطلا وهذه الكلمات قد تكررت كثيرا بينهم ولم يعلم المراد منها ولما وعدناك سابقا على التكلم فيها على ما يقتضيه الحال ويسعه المجال فلنوف بما وعدناك.
ونحن نورد الكلام في المقام على جهة الضابطة الكلية ثم نشير بعده إلى ما هو التحقيق عندنا فيما ذكروه فنقول المنكر لا يخلو إما أن يكون كاذبا في انكاره بحسب اعتقاده أو صادقا فيه بحسب الاعتقاد أو شاكا فيهما والكلام في كل واحد من هذه الأقسام قد يقع في الحكم التكليفي لحلفه وقد يقع في حكمه الوضعي إما.