العادل وحمل ما أخبر عنه على الواقع لا يفرق فيه بين الحسيات والحدسيات نعم لو علم أنه استند في اخباره إلى ما لا يعلم غيره سببا لم يجب على الغير تصديقه في ذلك.
توضيح الفساد ان بناء المشهور على قبول الشهادة في الأمور المذكورة على الاطلاق ليس مبنيا على شمول ما دل على وجوب تصديق العادل للحدسيات حتى يرد عليهم بعدم الفرق بينها وبين الشهادة على الجرح بل انما هو مبني على ما ذكرنا من أصالة الصحة.
فإن قلت سلمنا كون المدرك في حكمهم بالقبول في الأمور المذكورة على الاطلاق هي أصالة الصحة لا مجرد اخبار العادل لكن نقول إنه ما المانع من اجرائها في المقام فإنه كما انا مأمورون بحمل أفعال المسلمين على الصحة كذلك مأمورون بحمل أقوالهم واعتقاداتهم على الصحة ما لم يعلم خلافها فإذا أخبر العادل بأن زيدا فاسق و شككنا في أن اخباره هذا هل هو مستند إلى اعتقاد فاسد مخالف لاعتقاد المخبر له أو مستند إلى اعتقاد صحيح موافق لاعتقاد المخبر له فبحكم أصالة الصحة نحكم بكون اعتقاده صحيحا موافقا للواقع فنأخذ بخبره فلم يبق فرق بين المقامين من هذه الجهة أيضا.
قلت إنه لم يقم ولم يقيموا دليلا على اعتبار أصالة الصحة بالمعنى النافع في المقام في الأقوال والاعتقادات حتى ينفى الفرق بين المقامين لان عمدة ما دل على اعتبار أصالة الصحة بالمعنى المذكور هو الاجماع والسيرة و معلوم انتفائهما في المقام وأما الآيات والاخبار التي استدل بهما على الأصل المزبور فقد ذكرنا في محله انه لا دلالة لهما على وجه ينفع في المقام فإن الظاهر من جميعها هو اثبات الصحة عند الفاعل وعدم سوء الظن به وهذا لا دخل له بحديث الصحة الواقعية التي كلامنا فيها هذا كله في الشهادة على الملكية ونحوها من مسببات العقود.
وأما الشهادة على النجاسة ونحوها من الاحكام المقابلة للعبادات والعقود التي ادعي الاجماع على قبول الشهادة فيها مطلقة ففيه أولا منع قيام الاجماع على ذلك كيف وجمع من الاعلام كالشهيد قدس سره على ما يظهر منه في بعض كتبه وغيره على المنع من قبول الشهادة فيها مطلقة وثانيا سلمنا قيام الاجماع والسيرة على ذلك لكنه لا يجوز التعدي منه إلى غيره لاحتمال بل ظهور أن يكون الوجه في القبول مطلقة ثمة من جهة قلة الاختلاف في النجاسات وكون الشهادة على النجاسة غالبا بل دائما إلا ما شذ وندر من جهة إحدى النجاسات العشر فتصير كأنها مما لا اختلاف فيها فلا يمكن التعدي منها إلى ما لا يكون بهذه المثابة والمرتبة هذا الذي ذكرنا كله إنما هو في الشهادة على الجرح.
وأما الشهادة على التعديل فهل تكفي مطلقة أو تحتاج إلى ذكر السبب ظاهر المشهور هو الأول وصريح ابن الجنيد هو الثاني وهو أيضا مقتضى ما ذكرنا من الوجه في احتياج الشهادة على الجرح إلى ذكر السبب لان الاختلاف فيما يوجب الفسق يسلتزم الاختلاف فيما تحصل به العدالة وترتفع به فإنه قد يرى الشاهد فعل شئ معصية صغيرة فلا يضر عنده عدم ملكة تركه في حصول ملكة العدالة وفعله في رفع ملكة العدالة ويراه الحاكم كبيرة قادحة في أصل تحصيل الملكة في التقدير الأول وفي بقائها على التقدير الثاني فيجب الشهادة على التفصيل حتى يعلم الحال نعم لو شهد ان له ملكة ترك جميع المعاصي ولم يرتكب معصية أصلا لأمكن القول بالكفاية إلا إذا فرض اختلافهما في أصل المعصية بحيث يرجع إلى الاختلاف في الكبيرة فإنه يجب حينئذ الشهادة على التفصيل أيضا هذا.