أن يكون المراد منه كون إحدى البينتين ناظرة إلى نفي ما شهدت به الأخرى وتكذيبها فيما شهدت به من غير أن يكون مقصودها اثبات شئ وأمثلته كثيرة منها ما مثل به العلامة في محكي القواعد كما لا يخفى وأما ما مثل به الفاضل في شرحه فيمكن أن يكون منها أيضا بأن يكون المقصود الأصلي للبينة الثانية مجرد تكذيب البينة الأولى وان الولد ليس ممن شهدت بولادتها له من غير أن يكون المقصود اثبات الولد للمرأة الأخرى ومما ذكرنا يظهر ان خير الأمور هو الأخير لانطباقه على ما فرعه (فرضه خ) العلامة رحمه الله وكون المتعين فيه التساقط حسبما ذكره قدس سره ووجهه غير مخفي.
وأما الأمران الأولان فمع كونهما خلاف الظاهر من كلام المفرق لا دليل على كون الحكم فيهما خلاف صورة مقابلهما التي تسمى بالتعارض كما لا يخفى.
إذا عرفت ما قدمنا لك فلنرجع إلى التكلم في حكم الصور المتصورة في صورة وجود البينتين فنقول انه لو لم تكونا متعارضتين بالمعنى المتقدم فلا إشكال في وجوب العمل بكل منهما لسلامته عن المانع وهذا معنى قولهم إنه مهما أمكن التوفيق بينهما فيجب لوجوب العمل بما دل على اعتبار كل منهما مهما أمكن.
نعم ربما يشكل ما ذكرنا بما ورد في بعض الأخبار مثل خبر أبي بصير سئل الصادق (عليه السلام) عن رجل يأتي القوم فيدعي دارا في أيديهم ويقيم الذي في يده الدار البينة انه ورثها من أبيه ولا ندري كيف كان أمرها فقال أكثرهم بينة يستحلف وتدفع إليه الحديث وذكر الراوي في ذيل الحديث أرأيت إن كان الذي ادعى الدار قال إن أبا هذا الذي هو فيها أخذها بغير ثمن ولم يقم الذي هو فيها بينة إلا أنه ورثها عن أبيه قال (عليه السلام) إذا كان أمرها هكذا فهي للذي ادعاها وأقام البينة عليها وجه الاشكال انه حكم الإمام (عليه السلام) بالترجيح في مورد السؤال المتفرع على التعارض وعدم وجوب التوفيق مع أنه مما يمكن التوفيق فيه بين البينتين كما لا يخفى فان مستند بينة الوارث ليس إلا أصالة الصحة وهي لا تعارض بينة المدعي.
ثم إن الاشكال منه حكم الإمام (عليه السلام) بتقديم بينة المدعي من دون ملاحظة ترجيح في ذيل الرواية مع أن مجرد ادعاء المدعي لا يوجب انقلاب الحكم ما لم يقم البينة عليه نعم لو كان المفروض فيه إقامة البينة على طبق ما يدعيه لا على أصل الاستحقاق لم يتوجه عليه إشكال أصلا لكنه بمكان من البعد من الرواية وسيأتي التكلم على الرواية بعد هذا إن شاء الله.
وإن كانتا متعارضتين فلا يخلو من صور ثلاث إحديها ما لو كانت العين في يدهما ثانيتها ما لو كانت بيد أحدهما ثالثتها ما لو لم تكن بيد أحدهما.
أما الصورة الأولى فالذي صرح به شيخنا الشهيد في المسالك انه لا إشكال في الحكم بها بينهما نصفين لكن اختلف في سببه فقيل لتساقط البينتين بسب التساوي فيبقى الحكم كما لو لم يكن بينة وقيل لان مع كل منهما مرجحا باليد على نصفها فقدمت بينته على ما في يده وقيل من جهة تقديم بينة كل منهما بالنسبة إلى ما في يد الآخر بناء على تقديم بينة الخارج ووافقه الأستاذ العلامة على ذلك فقال إن السبب في الحكم بالتنصيف بعد مفروغيته إما تساقط البينتين كما هو مختار بعض أو تقديم كل من بينة الداخل على بينة الخارج من حيث كون بينة كل منهما بالنسبة إلى ما في يده بينة الداخل وبالنسبة إلى ما في يد الآخر بينة الخارج على القول بتقديم بينة الداخل أو العكس على القول بالعكس هذا ولى فيه تأمل والوجه فيه أن مفروغية التنصيف إنما