عدم المعصية والحاصل ان مقتضى أدلة وجوب تصديق البينة العادلة مطلقا هو العمل بما ذكرنا.
فإن قلت العمل بأدلة وجوب تصديق العادل في كل من البينتين إن كان منحصرا فيما ذكرته لوجوب المصير إليه بمقتضى عموم الأدلة لكنا نقول إنه كما يمكن تصديقهما على النحو المذكور كذلك يمكن تصديقهما بتقديم بينة التعديل بأن يحمل قوله فلان فاسق على العلم بالمعصية وعدم العلم بالتوبة ويحمل قوله فلان عادل على الاطلاع على التوبة فما وجه تعين ما ذكرته.
قلت ليس الوجه فيما ذكرنا هو حصول تصديق البينتين به كيف ما اتفق حتى يعارض بحصوله في عكسه أيضا بل الوجه فيه حصوله مع قابلية الكلام له فإن المفروض ان قوله فلان فاسق صريح في صدور الكبيرة منه فيصح رافعا لما هو المستند لبينة التعديل بخلاف قوله فلان عدل فإنه ليس صريحا في حصول التوبة منه بعد المعصية كما هو المفروض والحاصل ان الحاصل من قوله فلان عادل هي العدالة الظاهرية والحاصل من قوله فلان فاسق هو كونه غير عادل بحسب الواقع ومعلوم أنه لا تنافي بين العدالة الظاهرية والفسق الواقعي كما أنه لا تنافي بين الطهارة الظاهرية والنجاسة الواقعية فيما إذا قامت البينة عليهما بحيث علمنا كون البينة على الطهارة من باب الأصل فيصير قول الجارح هو فاسق حينئذ بالنسبة إلى قول المعدل هو عادل من قبيل الدليل بالنسبة إلى الأصل فيظهر مما ذكرنا أن هذا ليس طرحا لقول المعدل بواسطة الاخذ بقول الجارح لان رفع اليد عن الأصل بعد قيام الدليل على خلافه ليس طرحا له كما لا يخفى ويظهر منه أيضا ان الجمع فيما نحن فيه ليس من قبيل الجمع بين الروايتين المتعارضتين بجعل كل واحدة منهما قرينة للتصرف في دلالة الأخرى وبيان المراد منها حتى يقال إنه لا دليل على هذا الجمع فيما نحن فيه بل لا يعقل من حيث عدم إمكان أن يصير كلام متكلم قرينة للمراد من كلام متكلم آخر لان مرجع الجمع فيما نحن فيه حسبما عرفته إلى العمل بأدلة حجية البينة في كل منهما.
فإن قلت إن ما ذكرته من كون قول الجارح من قبيل الدليل بالنسبة إلى قول المعدل إنما هو فيما إذا علم كون مستند المعدل في التعديل هو الأصل إما بالتنصيص عليه أو من جهة كونه القدر المتيقن مع الاطلاق ومعلوم ان الامر فيما نحن فيه ليس كذلك أما عدم التنصيص عليه فلانه المفروض وأما عدم كونه القدر المتيقن من كلام المعدل فلعدم كونه مع باقي الاحتمالات من قبيل الأقل والأكثر بل هو متباين مع كل منهما فكما يحتمل استناد المعدل إلى الأصل كذلك يحتمل استناده إلى الاطلاع على التوبة مع العلم بالفسق فلم يعلم كون مستند المعدل هو الأصل حتى يقال إن قول الجارح دليل بالنسبة إليه.
قلت لسنا ندعي كون مستند المعدل هو خصوص الأصل حتى يرد علينا ما ذكرت بل ندعي كون أدلة التصديق بالنسبة إلى قول الجارح غير معارضة بشئ فيجب العمل بها لاحتمال استناد المعدل إلى الأصل لا الاطلاع على التوبة وكونها بالنسبة إلى بينة المعدل معارضة ببينة الجارح فلا يجب العمل عليها فتأمل.
وإلى ما ذكرنا يرجع ما ذكره الأصحاب وجها لتقديم بينة الجرح من كونها مثبتة وبينة التعديل نافية أو كونها تدعي شيئا خفي على بينة التعديل أو كون مستندها الإحساس وكون مستند بينة التعديل الأصل إلى غير ذلك وهذا أيضا مراد من ادعى الاجماع على تقديم بينة الجرح كما حكاه الأستاذ العلامة دام ظله عن بعض فإن مراده من قيام الاجماع على التقديم هو ما إذا لوحظتا مجردتين عن الزيادة فلا يرد عليه إيراد من أورد عليه بأنه قد تقدم بينة التعديل كما إذا ادعت خصوصية مخفية على بينة الجرح فتلخص مما ذكرنا أنه لا تعارض ولا تكاذب بين البينتين في تلك الصورة أصلا بل تقابلهما من قبيل تقابل الأصل والدليل الذي ليس بتقابل