شرط لصحة الصيغة وترتب الأثر عليها فالمكلف باحرازها ليس إلا من يجري الصيغة فإذا أحرزها باعتقاده وإن لم تكن محرزة عند الغير تكون الصيغة صحيحة في الواقع فيترتب عليها جميع الآثار الشرعية.
الأمر الثالث انه بعدما عرفت من جواز نقض حكم الحاكم بعد تبين فسق الشاهد ولو عند غير حاكم - الشرع فاعلم أن المعتبر من التبين هو التبين في زمان الشهادة بمعنى انه علم بكون البينة فاسقة حين الشهادة وأما لو علم بصيرورتها فاسقة بعد الشهادة فلا اعتبار به بل يجب حينئذ امضاء الحكم وترتيب الأثر عليه وهذا واضح لا سترة فيه نعم لو تبين فسق الشاهد بعد الإقامة قبل الحكم يكون فيه اشكال نتعرض له انشاء الله تعالى فيما سيأتي هذا تمام الكلام في الموضع الأول.
وأما الكلام في الموضع الثاني فنقول انه لا إشكال في جواز الحكم فيما إذا عرف عدالة البينة ولا في عدم جوازه فيما إذا عرف فسقها لما دل على جواز الحكم بالبينة العادلة وعدم جوازه بالبينة الفاسقة مضافا إلى قيام الاجماع في الصورتين إنما الكلام فيما إذا جهل الحال من عدالة أو فسق بعد القطع باسلامها فحكم الشيخ بجواز الحكم وقبول الشهادة لا لان الفسق مانع فيندفع بالأصل كما توهم ولا لان نفس الاسلام وعدم ظهور الفسق عدالة عنده كما تخيل بل لما قد عرفت من كون الاسلام وعدم ظهور الفسق طريقا عنده لاحراز العدالة الواقعية والمشهور عدم جوازه ووجوب التوقف من حيث عدم الدليل على كون نفس الاسلام طريقا إلى العدالة حسبما عرفت تفصيل القول فيه وهذا هو الأقوى نعم لو علم من الشاهد حسن الظاهر حكم لا لان حسن الظاهر نفس العدالة كما قد يقال بل لما قد عرفت من كونه طريقا إلى العدالة فهذا الفرض في الحقيقة خارج عما نحن فيه لان الكلام فيما جهل العدالة ولم يكن طريق شرعي لاحرازها.
ثم إن لشيخنا الشهيد الثاني قدس سره هنا كلاما لا يخلو ايراده عن فايدة حيث قال بعد نقل القول بالتوقف عن المشهور وعدم الكفاية بظاهر الاسلام في ذكر الاستدلال له ما هذا لفظه لقوله تعالى واستشهدوا ذوي عدل منكم مع قوله تعالى واستشهدو شهيدين من رجالكم فيجب حمل هذا المطلق على المقيد ولا بد من اشتمال - الوصف بالعدالة على أمر زائد على الاسلام لان الاسلام داخل في قوله من رجالكم فإنه خطاب للمسلمين ولان العدالة شرط قبول الشهادة كما يقتضيه الآية والجهل بالشرط يستلزم الجهل بالمشروط إلى أن قال وفي هذه الأدلة نظر أما الآية الدالة على العدالة فليس فيها ان المراد منها هو زائد على الاكتفاء بظاهر الاسلام إذا لم يظهر الفسق نقول إن ذلك هو العدالة وانها الأصل في المسلم بمعنى ان حاله يحمل على القيام بالواجبات وترك المحرمات إلى أن قال سلمنا ان العدالة أمر آخر غير الاسلام وهي الملكة الأبية لكن لا يشترط العلم بوجودها بل يكفي عدم العلم بانتفائها من المسلم والعدالة في الآية ما جاءت شرطا حتى يقال إنه يلزم من الجهل بالشرط الجهل بالمشروط وإنما جاءت وصفا ومفهوم الوصف ليس بحجة بحيث يلزم من عدمه العلم بالعدم بخلاف الشرط انتهى ما أردنا ذكره.
وفي كلامه انظار لا تخفى على كل من نظر إليه وتأمل فيه أما أولا فلانا قد ذكرنا أن العدالة ليست هي الاسلام نفسه ولا هو طريق إليها فقوله فليس الخ مما لا وجه له أصلا وأما ثانيا فلانه لا معنى لقوله بعد تسليم كون العدالة هي الملكة لكن لا يشترط العلم بوجودها ضرورة انه إذا علق قبول الشهادة على العدالة لا بد من احرازها ولا يكفي عدم العلم بانتفائها وأما ثالثا فلانا ما فهمنا معنى قوله والعدالة في الآية ما جاءت شرطا فإن كان مراده من ذلك أن في مسألة حمل المطلق على المقيد لا بد أن يكون المقيد شرطا ولا يكفي كونه وصفا من حيث عدم