من العالم قبل أن يجب التعلم على الجاهل فان وجوب التعلم على العالم قبل وجوب التعلم على الجاهل يدل بظاهره على كونه مطلوبا منه مجانا لا يجوز له الامتناع الا بان يأخذ الأجرة عليه فافهم وتأمل حتى لا يختلط عليك الامر ولا يلتبس عليك الحال.
إذا عرفت ذلك فنرجع إلى ما كنا فيه من جواز اخذ الأجرة والعوض على القضاء فنقول ان قلنا بكون القضاء من التعبديات حسبما يظهر من بعضهم وإن كان مقتضى التحقيق خلافه فلا اشكال في عدم جواز اخذ الأجرة عليه مطلقا سواء كان القاضي فقيرا أو غنيا عين عليه القضاء أو لا لما قد عرفت من منافاة اخذ الأجرة للتقرب مطلقا وإن لم نقل بكونه من التعبديات وقلنا بكونه من التوصليات على ما هو الحق عندنا فان تعين عليه القضاء إما لعدم وجود صالح سواه أو لتعيينه الإمام (عليه السلام) للقضاء لا يجوز له اخذ الأجرة عليه أيضا سواء مع الفقر أو الغناء لما عرفت من عدم جواز اخذ العوض على الواجب العيني مطلقا وإن لم يتعين عليه فان قلنا بكون القضاء من حقوق الناس كما في الشهادة ونحوها فلا يجوز اخذ الأجرة عليه أيضا مطلقا لما قد عرفت من عموم المنع في حقوق الناس الكفائي والعيني وإن لم نقل بكونه حقا للناس فان قلنا بأنه يستفاد من أدلته المجانية كما قد يستفاد ذلك من أدلة بعض الواجبات الكفائية فلا يجوز اخذ الأجرة عليه أيضا مطلقا وإن لم نقل بذلك فيجوز اخذ العوض عليه بمقتضى ما ذكرنا فيما تقدم من أنه لا مانع من اخذ الأجرة على الواجبات الكفائية إذا كانت حقا لله تعالى هذا كله بالنظر إلى ما يقتضيه القاعدة في المقام مع قطع النظر عن الدليل الوارد فيه.
واما الكلام بالنظر إلى الدليل الوارد فنقول انه قد يستدل على الحرمة بصحيحة ابن سنان قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قاض بين فريقين يأخذ على القضاء الرزق من السلطان قال (عليه السلام) ذلك السحت وفيه أن ظاهر الرواية كون القاضي منصوبا من قبل سلطان الجور إذ ما يؤخذ من السلطان العادل لا يكون سحتا قطعا ولا شك ان هذا المنصوب غير قابل للقضاء فما يأخذه سحت من هذا الوجه ولو فرض كونه قابلا للقضاء فالرواية غير ظاهرة في كون اخذ الرزق من بيت المال ثم لو سلم ظهورها في الرزق من بيت المال فالظاهر منه بقرينة قوله على القضاء كون اخذه بعنوان العوضية والمقابلة فلا تدل على حرمة الارتزاق بغير هذا العنوان بل من حيث كونه قائما بمصالح المسلمين كما قد عرفت ترجيح الجواز بهذا العنوان سابقا فالرواية بعد تسليم دلالتها انما تدل على حرمة الارتزاق بعنوان العوضية حسبما هو محل الكلام لا مطلقا كما لا يخفى هذا ويمكن الاستدلال على الحرمة بما ورد في غير واحد من الاخبار من حرمة اخذ الأجرة على القضاء فان الظاهر شموله لمطلق العوض لا خصوص الأجرة التي يذكرونها في باب الإجارة.
وقد يستدل أيضا بما ورد في كثير من الاخبار من حرمة اخذ الرشوة على القضاء والحكم بالحق بين الناس بادعاء شمول الرشوة لمطلق العوض وفيه ما سيجيئ من منع كون الرشوة شاملة لمطق العوض هذا تمام الكلام في المقام الأول اي جواز الارتزاق من بيت المال وعدمه.
واما الكلام في المقام الثاني والثالث اي جواز اخذ الأجرة من المتخاصمين أو الجعل منهما على القضاء فبالنظر إلى ما يقتضيه القاعدة العامة في مطلق جواز اخذ العوض على الواجب فقد عرفت مشروحا في المقام الأول واما بالنظر إلى الأدلة الخاصة فيمكن التمسك للقول بالحرمة بجملة من الروايات الدالة على كون الاجر على القضا سحتا مثل الصحيح عن عمار بن مروان قال كل شئ غل من الإمام (عليه السلام) فهو سحت والسحت أنواع كثيرة منها ما أصبت من عمال الولاة الظلمة ومنها أجور القضاة أجور الفواجر وثمن الخمر والنبيذ المسكر الخبر