قوله الأولى الامام يقضي بعلمه مطلقا أقول اعلم أن الكلام في مسئلتنا هذه والمسألة الآتية إنما هو في الشبهات الموضوعية وهي التي يفصل الامر فيها بالبينة والايمان وأما الشبهات الحكمية فلا إشكال بل لا خلاف بل لا يعقل الخلاف في جواز الحكم فيها بالعلم أما في مسئلتنا هذه فظاهر لان ما يحكم به الإمام (عليه السلام) هو حكم الله في حق جميع الناس وأما في المسألة الآتية وهو حكم المجتهد فلانه بعدما وجب عليه الحكم في الشبهة الحكمية فلا شئ أقرب له من العمل بعلمه لأنه إما أن يعمل بالظن أو العلم والمترافعان وإن لم يجب عليهما تقليد الحاكم ولو في معلوماته إذا كان هناك مجتهد آخر يجوز لهما تقليده إلا أنه في مقام الحكومة يجب عليهما الرضاء بحكمه وإن كان عن ظن فضلا عن أن يكون من علم.
وكيف كان فالحق في المسألة هو قضاء الامام بعلمه مطلقا سواء كان في حقوق الله أو حقوق الناس لنا على ذلك وجوه الأول كونه مقتضى الأصل بعد ثبوت وجوب الحكم بالواقع بين الناس لأنه لا يحتاج إلى جعل ودليل على اعتباره كالامارات الظنية الكاشفة عن الواقع ظنا بعد الفرض المزبور وهذا مما لا إشكال فيه ولا شبهة تعتريه الثاني الاجماعات المنقولة عن جماعة كما في محكي الانتصار والغنية والايضاح ونهج الحق وغيرها البالغة حد الاستفاضة المعتضدة بالشهرة العظيمة بل عدم الخلاف في المسألة وقد عرفت اعتبار هذه القسم من الاجماع من باب الظن الخاص غير مرة فلا احتياج إلى الإعادة. الثالث قول علي (عليه السلام) لشريح لعنه الله لما تخاصم مع من عنده درع طلحة ويلك أو ويحك إمام المسلمين يؤتمن في أمورهم على ما هو أعظم من هذا وقد تمسك به جماعة على جواز قضاء الامام بعلمه في الموضوعات الخارجية لكن في دلالته على ذلك تأمل حيث أنه ليس كلامنا في أنه إذا حكم الامام بعلمه هل فعل جايزا أم لا فإنه ليس من محل النزاع في شئ فإن إمامته وعصمته تدلان على أنه كان ما فعل يكون له جايزا بحسب الشرع وإلا لم يكن معصوما وإنما الكلام في المقام هو أن الحكم الشرعي من جانب الله تعالى في حقه ما هو وهكذا الكلام في جميع ما يتعلق بالبحث عن تكليف الإمام (عليه السلام) ومن هنا تعرف النظر فيما في كلام بعض من الاستدلال على جواز الحكم بالعلم في المقام بعصمة الإمام (عليه السلام) الرابع الآيات والأخبار الدالة على وجوب الحكم بالحق مثل قوله تعالى يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق وقوله وأن تحكموا بين الناس بالعدل إلى غير ذلك وفي الحقيقة تلك الآيات والاخبار مبينة لصغرى ما ذكرنا في الوجه الأول فتأمل هذا.
ويستدل على المنع بوجوه أيضا بعضها مختص بحقوق الناس وبعضها مشترك بين حقوق الله وحقوق الناس أحدها الأخبار الواردة في الحكم بالبينة والايمان فإن ظاهرها بل صريحها انحصار فصل الخصومة بين الناس بهما وعدم جواز الحكم بغيرهما منها صحيحة هشام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما اقضي بينكم بالبينات والايمان ومنها خبر إسماعيل بن إدريس قال أمير المؤمنين (عليه السلام) جميع أحكام المسلمين على ثلاثة شهادة عادلة أو يمين قاطعة أو سنة جارية مع أئمة هدى ومنها الخبر المروي عنه (عليه السلام) المرادف لما ذكر بحسب المعنى ومنها ما ورد عنهم (عليهم السلام) من أنا نحكم بالظاهر إلى غير ذلك من الروايات الظاهرة في الحصر المذكور.
والجواب عنه ان تلك الأخبار لا تدل على الحصر حتى بالنسبة إلى العلم بل غاية ما تدل عليه الأخبار المذكورة هو الحصر بالإضافة إلى غير العلم أما من جهة ملاحظة ما نزل في أصل الحكم بالبينة والايمان في حق النبي (صلى الله عليه وآله) فإنه قد روى عنه (صلى الله عليه وآله) انه سئل الله تبارك وتعالى بأي شئ أحكم فيما لم أره ببصري ولم أسمعه بأذني فقال تعالى احكم بالبينات والايمان هذا مضمون ما رواه الأستاذ العلامة في مجلس المباحثة ولم أر الخبر بلفظه وجه الدلالة أن المراد بقوله فيما لم أره ببصري ولم أسمعه باذني هو السؤال عن صورة عدم حصول العلم له وكأنه