ونظيره الوصي فإنه ليس له إيصاء الغير إلا بتصريح الميت وكذا الوكيل من شخص في عمل ليس له توكيل الغير فيه إلا بتصريح الموكل فنصب الإمام عليه السلام الأفضل في زمان الغيبة لا يقتضي اذنه في نصب غيره.
ومما ذكرنا كله يظهر الكلام في مسألة أخرى وهي انه هل يجوز للفقيه الجامع لشرائط الحكومة والفتوى المنصوب من الإمام (عليه السلام) في زمان الغيبة نصب العامي العارف بمسائل القضاء من رأيه للحكومة بين الناس أو توكيله في ذلك بعد البناء على عدم جوازها له ابتداء واشتراط الملكة في القاضي كما هو المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا وإن مال بعض مشائخنا في شرحه إلى الجواز بل قال به كما يظهر لمن راجع الكتاب المسطور أو لا يجوز له ذلك وجهان ظاهر الأصحاب الأول والمحكى عن المحقق القمي قده في أجوبة مسائله الميل إلى الثاني وهو صريح بعض مشائخنا في شرحه بالنسبة إلى التوكيل إن لم يكن إجماع على خلافه لعموم دليل الوكالة وجه الأول ظاهر بعد فرض اعتبار ملكة الاجتهاد في القاضي كما هو المفروض وإلا كان العامي العارف بالمسائل عن تقليد في عرض العالم عن ملكة كالفاضل والمفضول على القول بعدم الفرق بينهما فلا معنى لنصب العامي بل على القول باعتبار المعرفة النظرية لا مورد لنصب الإمام (عليه السلام) العامي فضلا عن نصب المجتهد مع أنه على تقدير جواز النصب له (عليه السلام) يمكن منعه بالنسبة إلى المجتهد من جهة منع عموم المنزلة كما أسمعناك بالنسبة إلى جواز نصب المفضول للفاضل على القول بالترجيح بينهما هذا بالنسبة إلى النصب.
وأما التوكيل فلا مجال له بعد اعتبار الاجتهاد في القاضي كما هو المفروض لان دليل الوكالة لا يكون مشرعا هذا وإن شئت قلت أولا انه ليس في باب الوكالة ما يقتضي بعمومه كون كل فعل قابلا للنيابة والوكالة وان الوكالة تجري في كل فعل إلا ما خرج على ما يدعيه بعض مشائخنا في شرحه خلافا لما أثبتنا وأوضحناه في كتاب الوكالة وثانيا انه على تقدير ثبوت العموم فإنما هو بالنسبة إلى ما لم يقم دليل على اختصاص صدوره بطائفة خاصة فإذا دل الدليل على حصر (قصر خ) نصب الإمام (عليه السلام) لمن كان ناظرا في الحلال والحرام وعارفا بجميع الاحكام بمعنى كونه واجدا لملكة معرفة الجميع كما هو المفروض فكيف يجوز له توكيل العامي في القضاء والحكم بين الناس.
ثم إن محل الكلام في المسألة في قضاء العامي بأحد الوجهين وأما توكيله في مقدمات القضاء كاستماع الشهود والحلف مع كون الحكم بفعل المجتهد فقد صرح ثاني الشهيدين في المسالك بجوازه وهو الظاهر من غيره لكنه لا يخلو عن إشكال إن لم يكن إجماع عليه لعدم دليل عليه على ما أسمعناك عن قريب و الأصل في المعاملة الفساد باتفاق منهم والله الهادي وهو المصلح لمفاسد أمور عباده.
هذا آخر ما أردنا إيراده في هذه الأوراق مع اختلاف البال وتشتت الفكر والخيال والبهت الحاصل للنفس في شهر الصيام والحمد لله أولا وآخرا وله الشكر دائما سرمدا والصلاة على نبيه وآله الطيبين الطاهرين أبدا أبدية السماوات والأرض وقد وقع الفراغ منه في ليلة الثامن من شهر الصيام في البلد المشحون بالهموم والأحزان من سنة الثامن عشر بعد الألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية.