بعد رضاء الآخر لأنه يدخل حينئذ في اليمين المردودة وإلا فلا يحكم بشئ نظرا إلى عدم الميزان الشرعي هذا ملخص ما ذكره دام ظله.
ولا يخفى عليك ان هذا التفصيل أحسن مما ذكره بعض المشايخ المتقدم ذكره فإن فيه تأملا في الجملة أما أولا فلأنك قد عرفت غير مرة انه ليس لنا عموم يدل على اعتبار البينة في كل مورد سواء كان في مورد التداعي أو غيره غاية الأمر انه ورد جملة من الأخبار الدالة على اعتبارها في خصوص مورد التداعي كما أنه وردت على اعتبار اليمين أيضا كقوله (صلى الله عليه وآله) إنما أقضي بينكم الحديث وقوله أحكام المسلمين على ثلاثة الحديث ولكنها لا تدل على أن أي مورد فيه البينة وأي مورد فيه اليمين غاية ما تدل عليه ان القضاء بين الناس لا بد من أن يكون باحديهما والحاصل ان ما يدل على اعتبار البينة في مقام التداعي على قسمين أحدهما ما يدل على اعتبارها في الجملة كما يدل على اعتبار اليمين كذلك وهذا لا ينفع المستدل أصلا كما لا ينفعنا جزما ثانيهما ما يدل على اعتبارها في حق المدعى كما يدل على اعتبار اليمين في حق المنكر ومعلوم انه لا ينفع المستدل أيضا لتوقف جريانه على احراز المدعي والمنكر.
رابعها ان الكلام في المقام في معنى المدعي عرفا في مقابل المنكر وإلا فلا إشكال في صدق المدعي بالمعنى الأعم أي الذي يخبر عن شئ بصورة الجزم على المنكر أيضا لأنه أيضا يخبر عن الشئ ولو كان هو براءة الذمة ولهذا ذكر المحققون في الرد على من ذكر ان النافي لا يحتاج إلى دليل ان هذا غلط لان النافي أيضا يدعي النفي فلا بد له من إقامة الدليل وإن كان هو الأصل هكذا ذكره الأستاذ العلامة وإليه يرجع ما ذكره بعض الأصحاب من أن المدعي بحسب اللغة أعم من المنكر فتأمل.
خامسها ان ما ذكروه في بيان معناهما ليس حقيقة تفسيرا لفظيا لهما بمعنى كون معنى المدعى نفس ما ذكروه بحسب العرف كما قد يتوهم بل ميزان لتميز المصاديق وانه على أي شخص يصدق المدعي بمعنى وجود مفهوم المدعي عرفا في حقه وعلى أي شخص يصدق المنكر وهذا كله واضح لا سترة فيه أصلا إذا عرفت ذلك فاعلم أنهم اختلفوا في معنى المدعي والمنكر على أقوال.
أحدها ما ذكره بعضهم من أن المدعي من يخالف قوله الأصل والمنكر من يوافق قوله الأصل وذكر الأستاذ العلامة ان المراد من الأصل في المقام ليس هو خصوص أصالة العدم أو أصالة البراءة بل المراد منه كل قاعدة معتبرة تجري في نفس المورد فعلا سواء كان أصلا عدميا كالاصلين المذكورين أو وجوديا وسواء كان استصحابا على الثاني أو غيره من الأصول كأصالة الصحة في العقود بل تشمل غير الأصل أيضا كقاعدة اليد فالمراد منه كل ظاهر اعتبره الشارع في المورد سواء كان من الأصول أو غيرها فذي اليد منكر بناء على ما ذكر بل وكذا مدعي التلف من الامناء إن لم نقل بكونه مدعيا اكتفى منه باليمين بل منكر من حيث موافقة قوله الظاهر على تقدير اعتباره.
وأما اطلاق المدعي على ذي اليد حسبما جعلوا من أقسام التداعي تداعي ذي اليد مع الخارج فهو مبني على المسامحة وليس مبنيا (مبتنيا خ) على المعنى الأعم الذي ذكرناه ويشهد على ما ذكرنا من كون ذي اليد منكرا استدلال الإمام (عليه السلام) في بعض الأخبار على كفاية اليمين منه وعدم مطالبة البينة منه بأنه إنما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) أن يطالب البينة من المدعي فإن هذا الاستدلال دليل قطعي على صدق المنكر على ذي اليد حسبما هو قضية الاستدلال لان الاستدلال بالأمر التعبدي مما لا معنى له أصلا كما لا يخفى والقول بان استدلال الإمام (عليه السلام)