فلما كانت متغيرة بتغير أحوال المكلفين وكانت واقعيتها منوطة بجهل المكلف بالأحكام الواقعية فالاخبار بها والحلف عليها لا ينفعان إلا في حق المخبر والحالف فالحالف على البراءة الظاهرية من جهة الأصل لا ينفع حلفه في مقابل دعوى المدعي الاشتغال الواقعي إذ كثيرا ما يصدق المدعي المنكر في شكه في الاشتغال وعدم علمه به وكون حكمه الظاهري من حيث شكه هو البراءة كما لو ادعى عليه انك أتلفت مالي في حال نومك وأنت لا تعلم به لكنه لا ينفع في مقابل دعواه لان الحكم الظاهري المستند إلى الشك مختص بالشاك فتصديقه فيه لا ينفعه في الجواب عن دعوى الواقع أصلا وهذا مما لا إشكال فيه بعدما عرفت من عدم كفاية اليمين على نفي - العلم إذ مرجعهما إلى شئ واحد وإن حلف على الواقع مستندا إلى الأصل أو الامارة فنقول أولا بعدم صدق الحلف والشهادة مثلا على الواقع في صورة شك الحالف والشاهد حقيقة فالشاك بما يحلفه ليس حالفا به حقيقة وإن كان حالفا به صورة فالحلف الصوري وإن كان موجودا لكنه غير نافع.
توضيح ذلك أن المخبر عن الشئ الواقعي سواء كان حالفا أو شاهدا أو غيرهما لا يصدق عليه انه مخبر عنه فيما لو علم شكه فيه واقعا نعم يصدق عليه المخبر مسامحة بحسب الصورة كما لو علم بكونه كاذبا في اخباره مع كونه عالما به أيضا فإن صدق المخبر عليه إنما هو باعتبار تنزيله نفسه منزلة الصادق العالم بصدقه فيطلق عليه المخبر بهذا الاعتبار مسامحة هذا مقتضى ما ربما يفضى إليه ميل الأستاذ العلامة في مجلس البحث ولكن لي فيه نظر يظهر وجهه بالتأمل فتأمل وثانيا سلمنا صدق الحالف عليه لكن نقول إن ما دل على اعتبار الحلف أو الشهادة بل كل أخبار من أي مخبر كان إنما هو فيما إذا لم يكونوا شاكين في الحلف والشهادة والاخبار لان معنى تصديق المخبر جعل ما يخبر به باعتقاده منزلة الواقع وترتيب آثار الواقع عليه والحكم بكونه صادقا ومن المعلوم ضرورة عدم امكان التصديق بهذا المعنى في صورة شك المخبر فيما يخبر عنه.
وبعبارة أخرى معنى تصديق المخبر في اخباره هو الحكم بكون ما يخبر به عن اعتقاده انه الواقع هو الواقع وترتيب آثاره عليه فالاعتقاد وإن لم يكن متعلقا للاخبار في القضية التصديقية الخبرية إلا أنه جهة فيه على وجه الطريق.
وبعبارة ثالثة معنى تصديق المخبر جعله صادقا في اخباره فكيف يجعل صادقا مع شكه بنفسه في صدقه وإن هذا إلا القول بأن أدلة التصديق يجعل غير المخبر أولى من المخبر وهذا معنى ما يقال بالفارسية (كاسه گرم تر از آش نميشود) وبالجملة لا إشكال في أن أدلة تصديق المخبرين لا تشمل من كان شاكا في اخباره فضلا عن أن يكون قاطعا بخلافه فخروجهما منها ليس من باب التخصيص بل من باب التخصص ومن المعلوم ضرورة أن أدلة اعتبار الأصل والامارات لا تخرج المكلف عن كونه شاكا في الواقعة غاية ما يثبت بها وجوب ترتيب أثر الواقع عليها من الأعمال وهذا المقدار لا يثبت دخول اخبار العامل بها عن الواقع مع الشك فيه في تحت ما دل على وجوب تصديق المخبر في اخباره عن الواقع هذا كله بالنظر إلى الحكم الوضعي لليمين الواقعة عن الشاك.
وأما الكلام في الحكم التكليفي للحالف فلا يخلو إما أن يحلف على البراءة والملكية الظاهريتين اللتين قضى الأصل أو الامارة بهما أو على البراءة الواقعية والملكية الواقعية فإن حلف على الوجه الأول فلا إشكال في جوازه لكونه صادقا في حلفه واخباره عالما بما يحلف عليه وإن حلف على الوجه الثاني فالذي اختاره الأستاذ العلامة وجماعة هو عدم الجواز لأنه لا يعلم بما يحلف عليه ويخبر عنه فيدخل في القول بغير العلم هذا مضافا