المعصية وإن كانت دائرة مدار اعتقاد الفاعل لكن وصفها وهو كونها كبيرة أو صغيرة ليس تابعا لاعتقاد الفاعل بل هو من أحكام الوضع يرتب الأثر عليه كل من يعتقد وجوده وإن لم يعتقد الفاعل فإذا اعتقد الشاهد كون المعصية الفلانية كبيرة موجبة لفسق فاعلها يشهد بفسقه ولو لم تكن كبيرة باعتقاده واعتقاد الحاكم وإذا اعتقد كونها صغيرة لا يجوز له الشهادة على الفسق وإن كانت كبيرة باعتقاد الفاعل والحاكم وهكذا إذا اعتقد الحاكم كونها كبيرة يحكم بفسق فاعلها سواء اعتقد كونها كبيرة أو لا والحاصل ان أصل المعصية وجودها الواقعي إنما هو بفعليتها عند الفاعل فإذا اعتقد كون شئ معصية وارتكبه كان فاعلا للمعصية عند كل أحد واقعا لان المعصية ليس لها وجود واقعي غير فعليتها باعتقاد الفاعل فإذا تحققت المعصية عنده تحققت عند كل أحد ولا أثر لاعتقاد غيره فيها أصلا وإذا لم يعتقد كون شئ معصية وارتكبه لم يكن فاعلا للمعصية واقعا عند كل أحد وإن اعتقد بتحريمه غيره وهذه بخلاف الكبيرة والصغيرة فإنهما من أحكام الوضع التي لها وجود واقعي يرتب الأثر عليها كل من علم بها ولا يرتب إذا لم يعلم وإن علم غيرها بها.
إذا عرفت ذلك فنقول في توضيح هذا الاجمال وتحقيق هذا المقال ان اختلاف الفاعل وغيره ممن يريد ترتيب الأثر على فعله في الكبيرة لا يخلو إما أن يكون من جهة اختلافهما في مفهوم الكبيرة بحسب الشرع بأن كان كل معصية كبيرة عند الفاعل وكان خصوص ما أوعد عليه في الكتاب كبيرة عند غيره أو بالعكس أو كان خصوص ما أوعد عليه في الكتاب مطلقا كبيرة عند الفاعل ولم يكن هذا كبيرة عند غيره بل خصوص ما أوعد عليه في الكتاب بالنار أو كان الامر بالعكس أو يكون من جهة اختلافهما في المصداق وهذا على قسمين أحدهما أن يكون اختلافهما في المصداق ناشيا من الاختلاف في الموضوع المستنبط كما إذا اتفقا على كون الكبيرة هي خصوص ما أوعد عليه في الكتاب بالنار لكن اختلفا في أن المعصية الفلانية هل تدل الآية الفلانية على كونها موجبة لاستحقاق النار مطلقا أو في بعض أفرادها أولا ومرجع هذا أيضا إلى الاختلاف في أصل الحكم الشرعي وإن كان منشأه الاختلاف في الموضوع المستنبط ثانيهما أن يكون اختلافهما فيه ناشيا من الأمور الخارجية بحيث لا مدخل للفظ فيه أصلا كما إذا اعتقد الفاعل كون المايع الفلاني عصيرا عنبيا فشربه واعتقاد غيره كونه خمرا موجبا لفسق شاربه أو كان الامر بالعكس.
أما إذا كان اختلافهما في مفهوم الكبيرة فالظاهر كون الحكم بالتفسيق دايرا مدار اعتقاد الحاكم سواء كان الشاهد أو القاضي فإذا اعتقد كون كل معصية كبيرة كما هو مذهب جمع من أصحابنا منهم الحلي في السرائر يحكم بفسق فاعلها وإن اعتقد كون الكبيرة خصوص ما أوعد عليه في الكتاب مطلقا أو بالنار وإذا اعتقد كون الكبيرة خصوص ما أوعد عليه في الكتاب بالنار مثلا لا يجوز لهما تفسيق فاعل غيره بل يحكمون بعدالته ما لم يصر عليه وان اعتقد كونه كبيرة والدليل على ذلك هو ما عرفت من كون الكبيرة من أحكام الوضع لا يؤثر فيها اعتقاد الفاعل أصلا.
فإن قلت إذا اعتقد الفاعل كون مطلق المعصية كبيرة وارتكبها يكون لا أقل متجريا بالكبيرة من حيث اعتقاده وإن لم يكن فاعلا للكبيرة بحسب الواقع وباعتقاد الغير فعلى القول بكون التجري مؤثرا في جعل غير الواقع بمنزلة الواقع يصير هذا الشخص فاسقا باعتقاد الغير أيضا فإنه وإن لم يفعل كبيرة باعتقاد الغير إلا أنه فعل ما هو بمنزلتها في الآثار الشرعية فجعل الكبيرة تابعة لاعتقاد الغير بقول مطلق مما لا وجه له.
قلت نمنع من ثبوت التجري في الفرض المزبور لان اختلاف الفاعل وغيره إن كان بالنسبة إلى المصداق