الافتاء طريقا إلى متعلقه بقول مطلق بعدم القول بالفصل بين أفراده فإنه لم يفصل أحد بين أفراد العصير بأن يحكم بنجاسة بعضها وطهارة الباقي فإذا حكمنا بالنجاسة مثلا في البعض بمقتضى حكم الحاكم نحكم بنجاسة الباقي بعدم القول بالفصل اللهم إلا أن يقال إن عدم التفكيك بين أفراد الخمر بحسب الواقع لا يستلزم عدمه بحسب الظاهر أيضا فتأمل نعم إذا دل دليل على نفوذ حكم الحاكم مطلقا ولو في غير مورد الخصومة كما ثبت في بعض الموارد الجزئية كمسألة ثبوت الهلال ونحوه نقول به وإلا فلا هذا.
واحتج للوجه الثاني بأن مقتضى اطلاق أدلة نفوذ حكم الحاكم هو نفوذه مطلقا ولو بالنسبة إلى غير جهة الخصومة وبعبارة أخرى أوضح ان الأدلة إنما دلت على طريقية حكم الحاكم بالنسبة إلى المحكوم عليه بحيث كان حكما على جميع الامارات والأدلة ومعلوم ان ما حكم به في المثال المذكور هو الطهارة فيجب - الحكم بثبوتها بمقتضى طريقيته إليها لا عدم جواز استرداد الثمن حتى يقتصر عليه ولا يتعداه إلى غيره من الآثار.
والجواب عنه ما عرفت من أن من تأمل في أدلة نفوذ حكم الحاكم يعلم علما يقينا بحيث لا يدخله شك ان مقتضاها هو النفوذ من حيث رفع الخصومة هذا كله بالنسبة إلى المترافعين والحاكم وأما غيرهم (هما خ) فجريان ما ذكرنا في حقه أوضح ثم إن اللازم على الاحتمال الثاني (الأول خ) هو عدم جواز الحكم من حاكم آخر على خلاف ما حكم به الأول بالنسبة إلى هذا الفرد من العصير مثلا ولو في واقعة أخرى وفرد آخر من البيع أو غيره لأن المفروض خروج هذا الفرد من العصير من حكمه من جهة حكم الحاكم وعلى الثالث يجوز للحاكم الحكم على خلاف ما حكم به الأول في واقعة أخرى وفرد آخر من البيع على إشكال فيه.
الثالث انك قد عرفت من تضاعيف ما ذكرنا في حكم نقض الحكم بالحكم حكم نقض الحكم بالفتوى و نقض الفتوى بالحكم وحاصله انه ينتقض به إذا كان وقوعه على وجه صحيح بأن لا يعلم خطأ الحاكم في اجتهاده إما من قصور أو تقصير ولم يحصل القطع على خلافه وإلا فلا ينتقض الفتوى بالحكم بل الامر بالعكس فإنه يعمل حينئذ بالفتوى ويطرح الحكم.
وأما نقض الحكم بالفتوى بالنسبة إلى نفس الحاكم كأن يحكم في واقعة بحكم كنجاسة أو طهارة أو غيرهما ثم أدى نظره في ثاني الزمان إلى خلاف ما حكم به في الواقعة الفلانية فلا يخلو إما أن يحصل له القطع بكون حكمه مخالفا للحكم النفس الامري أو يحصل له القطع بفساد اجتهاده الأول الذي كان مدركا لحكمه إما بقصور منه أو تقصير أو لا يحصل له القطع بشئ منهما وعلى الثاني لا يخلو أيضا إما أن يحصل له القطع بمخالفة اجتهاده الأول لدليل مسلم الاعتبار عند الكل أو لا يعلم ذلك أيضا بل يظن بظن معتبر كون حكم الله هو ما أدى إليه نظره ثانيا.
والظاهر أن الحكم في جميع الصور هو الحكم فيما ذكرنا من جواز نقض الحكم بالحكم فراجع إليه وتأمل فيه حتى يظهر لك حقيقة الحال إلا في الصورة الأخيرة فإنه قد يتأمل في شمول أدلة حرمة نقض الحكم بالنسبة إلى نفس الحاكم فيما لو تبين فساد حكمه ولو بالظن الاجتهادي بل يكون حكمه في حقه كفتواه فيراعى فيه ما روعي فيها من وجوب النقض مطلقا من حيث انكشاف الخلاف حسبما هو قضية الطريقية بقول مطلق وحرمته بالنسبة إلى بعض الآثار في بعض الموراد من حيث قيام الدليل من الخارج على التفصيل الذي عرفته سابقا.
وقد تمسك بعض مشايخنا قدس سره لعدم الجواز باستصحاب اثر الحكم وباطلاق الأدلة وظهورها