فبالحري أن نتكلم في هذا الامر في مقامين حتى يرتفع غواشي الأوهام في البين أحدهما في كون العسر أمرا وجوديا كاليسر أو عدميا كالعجز الذي هو نقيض القدرة ثانيهما في أنه بعد فرض كونه وجوديا هل المستفاد من الأدلة كون الشرط في الانظار هو العسر أو الشرط في جواز المطالبة هو اليسر.
فنقول أما الكلام في المقام الأول فمحصله ان الظاهر منهم فيه قولان أحدهما كونه أمرا عدميا كالعجز وهو الظاهر من الشيخ رحمه الله حيث استدل على كون القول قوله بأنه خلق معسرا وجماعة ممن تأخر عنه بل استظهر الأستاذ انه الظاهر من كل من استدل على جواز الاكتفاء منه باليمين بكون قوله موافقا للأصل ثانيهما كونه أمرا وجوديا وهو صريح جماعة.
والتحقيق أن يقال في بيان مفهوم العسر انه أمر وجودي باعتبار أمر عدمي وهو فقدانه لمرتبة اليسر بحيث يكون هذا الاعتبار مأخوذا في مفهومه بحسب اللغة والعرف الذي يعبر عنه بالفارسية تنگى واليسر أمر وجودي باعتبار وجدانه لما هو معدوم من المرتبة في العسر فالعسر واليسر فردان من القدرة العقلية وليس العسر نقيضا لليسر كالعجز بالنسبة إلى القدرة بل هما ضدان لكن الموضوع له في طرف العسر ليس هو الامر الوجودي بقول مطلق بل هو الموضوع له باعتبار أمر عدمي بحيث يكون هو المناط حقيقة في تسميته عسرا فإن من المعلوم ان العسر لا يسمى عسرا باعتبار وجدانه لذلك الامر الوجودي فإنه بذلك الاعتبار ليس عسرا قطعا بل باعتبار فقدانه وانعدامه لما هو موجود في طرف اليسر من المرتبة فالعسر واليسر أمران إضافيان لكن إضافة العسر بالنسبة إلى فقدانه لما هو موجود في اليسر وإضافة اليسر بالنسبة إلى وجدانه لما هو مفقود في العسر لا بالنسبة إلى فقدانه لما ليس في العسر كما لا يخفى فتحقق ان الموضوع له العسر هو المرتبة من القدرة العقلية وهي الامر الوجودي الخاص الملحوظ فيه أمر عدمي لا أن يكون هو الوجودي بقول مطلق ولا العدمي بقول مطلق.
وهذا الذي ذكرنا في العسر من كونه موضوعا لأمر وجودي باعتبار عدمي ليس مختصا به بل هو جار في كثير من الألفاظ بالنسبة إلى مفاهيمها مثل لفظ الضيق والحرج والأول والاخر والحد والالزام والشرط وأمثالها من الألفاظ فإن تسمية الأول أولا إنما هو باعتبار أمر عدمي وهو عدم كونه مسبوقا بشئ آخر والآخر آخرا باعتبار عدم كونه ملحوقا بشئ آخر فلهذا ذكرنا في الأصول أنه يمكن توجيه القول بإجراء الاستصحاب في يوم الشك لاثبات كون يوم ما بعده من أول الشهر فيجري أحكام أول الشهر عليه من استحباب صومه على الخصوص إذا كان الصوم فيه مستحبا كذلك كما في أول الرجب والشعبان والغسل فيه إلى غير ذلك من الاحكام المعلقة على أول الشهر بأن المراد من أول الشهر هو اليوم منه الغير المسبوق بيوم من هذا الشهر فإذا شك في يوم انه من أول الشهر أو ثانيه فلا مانع من اجراء أصالة عدم كونه مسبوقا بيوم من هذا الشهر وعدم كون يوم الشك منه لاثبات كونه أولا فيترتب أحكام أول الشهر عليه ولا يرد عليه حينئذ كونه من الأصول المثبتة الغير المعتبرة عند - المحققين لأنا لم نرد من اجراء هذا الأصل إلا اثبات مورده وهو الامر العدمي المذكور من غير أن يكون المقصود من اثباته اثبات أمر وجودي تعلق الأحكام الشرعية عليه حتى يصير مثبتا ولنا وإن كان إشكال في صحة إجراء الأصل المذكور ذكرناه في الأصول إلا أنه بهذا التوجيه يقرب إلى القبول ويبعد عن مرتبة المعزول وهو المسؤول لكل الأمور وهكذا الكلام في الحد فإن الجزء إنما يسمى حدا باعتبار عدم كون جزء ما ورائه كما لا يخفى.
وهكذا تسمية الطلب إلزاما إنما هو باعتبار عدم الرضاء بالترك وإلا لا يسمى إلزاما فعدم الرضاء بالترك مأخوذ في مفهوم الالزام وضعا وهكذا تسمية الشئ شرطا باعتبار أمر عدمي هو انتفاء المشروط بانتفائه وانعدامه بانعدامه