السادس انه على القول بكون اليمين على نفي العلم ميزانا للقضاء فهل يجوز المقاصة بعدها أو لا وجهان من أن الأصل جواز المقاصة مطلقا بمقتضى ما دل عليه من الاخبار خرجنا عنه في اليمين على البت من جهة قيام الاجماع ظاهرا ودلالة الاخبار ولا مقتضى للخروج عنه في اليمين على نفي العلم ومجرد كونها فاصلة لا يقتضي الخروج إذ رفع الخصومة وعدم جواز اعادتها ولو بإقامة البينة أيضا لا يقتضي عدم جواز المقاصة باطنا ومن اطلاق ما دل على عدم جواز التقاص بعد الرضاء بيمين المنكر من الأخبار المتقدمة مثل قوله في خبر ابن أبي يعفور إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه واستحلفه فحلف لا حق له عليه وذهب اليمين بحق المدعي فلا حق له الخبر فإن المفروض ان المدعي هنا أيضا رضي بدعوى علم المدعى عليه بالحق بيمينه على نفي العلم أوجههما عند الأستاذ العلامة الأول فتأمل.
السابع انه كما عرفت من تضاعيف كلماتنا انه قد يقع الشك في دعوى المدعي بين رجوعها إلى فعل النفس أو إلى فعل الغير من جهة دعوى الغاية المرددة بين كونها مسببة عن فعل النفس أو فعل الغير الراجع حقيقة إلى الشك في المصداق كذلك قد يقع الشك فيها من جهة الشك في مفهوم فعل الغير وفعل النفس كما في الفروع التي اختلف الأصحاب في أن اليمين فيها على البت أو على نفي العلم كتلف البهيمة مع التقصير في حفظها وجناية العبد ودعوى الاخوة والبنوة إلى غير ذلك.
وقبل الخوض في تعيين ما اختلفوا فيه موضوعا لا بد من تأسيس الأصل الذي هو المعول عند الشك.
فنقول انا قد ذكرنا سابقا ونذكر هنا أيضا ان الأصل الأولي المستفاد من العمومات هو لزوم كون اليمين على البت وقد مر مرارا وجه الاستفادة تفصيلا وحينئذ ففي كل مورد شك في أن الدعوى فيه راجعة إلى فعل النفس أو فعل الغير يحكم بأنها من مقولة الدعوى على فعل النفس حكما بملاحظة الأصل المذكور سواء كان منشأ الشك اشتباه المصداق أو المفهوم.
إذا عرفت ذلك فنقول ان الامر في الموارد التي اختلفوا فيها لا يخلو عن انه إما أن يعلم برجوع الدعوى فيها إلى فعل النفس أو يعلم برجوع الدعوى فيها إلى فعل الغير أو لا يعلم أحدهما بالخصوص.
فإن علم برجوع الدعوى فيها إلى فعل النفس وقد رنا على التمييز فلا إشكال في الحكم كما في دعوى تلف البهيمة مع تقصير المالك في حفظها فإن مرجع الدعوى فيه إلى كون الفعل الصادر من المالك أعني التقصير موجبا لضمانه فإن قيام الضمان بفعل الشخص لا ينافي في توقف فعلية الضمان بوجود أمر آخر فإن الضمان عند حصوله مسبب عن فعله وقائم به كحفر البئر في طريق المسلمين أو فتح باب القفص إلى غير ذلك فإذا ادعى المدعي وجود الامر المعلق عليه فقد ادعى الأثر القائم بفعل النفس كدعوى الاشتغال المسبب عن فعل النفس في دعوى الغايات.
وإن علم برجوع الدعوى فيها إلى فعل الغير فالحكم أيضا واضح كما في دعوى جناية العبد فإن نفس جناية العبد من حيث إنها فعله لا دخل لها بالمولى أصلا بل هي قائمة بالعبد غير منسوبة إلى فعل المولى أولا وبالذات ولا ثانيا وبالعرض من جهة التسبب لكن العبد لما كان ملكا للمولى يتعلق الأرش المسبب عن فعله بذمة المولى من حيث عدم الذمة له فتعلق الضمان بذمة المولى إنما هو من جهة مالية الجاني له لا باعتبار مدخلية فعله ولو تسببا في الضمان وقيامه به كما في تلف البهيمة مع التقصير فالضمان إذا كان موقوفا على وجود فعل من الفاعل الذي هو في مقام الفاعلية وانتساب الفعل إليه عرفا مستقل كالضامن فدعوى هذا الضمان وسببه