وأما محاولات بذل النعم لفاقديها، فإنها لا ترفع هذه النزاعات والعداوات وغيرها الا في موارد جزئية. أما الحالة العامة فتبقى على حالها، لان هذا البذل لا يبطل غريزة الاستزادة، والشح الملتهب، على أن بعض النعم لا تقبل الا الاختصاص والانفراد، كالملك، والرئاسة، فالشرور والاحقاد التي تتولد عن ذلك باقية على حالها.
هذه حالة المجتمع الكافر بالله، الذي لا يؤمن الا بالمصلحة الدنيوية الشخصية، واللذات الحاضرة. ولكن الله قد من على المسلمين، وأزال الشح من نفوسهم: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) (١) وألف بين قلوبهم، وذلك لأنه عرفهم:
أن الحياة الانسانية حياة خالدة، وان الحياة الدنيا زائلة لا قيمة لها، وأن اللذة المادية لا قيمة لها، واللذة الواقعية هي أن يعيش الانسان في كرامة عبودية الله سبحانه، ورضوانه، والقرب والزلفى منه تعالى، مع النبيين والصديقين، وهناك اللذة الحقيقية الدائمة، قال تعالى: ﴿وما هذه الحياة الدنيا الا لهو ولعب، وان الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون﴾ (2).
كما أنه لا يملك أحد لنفسه نفعا ولا ضررا، ولا موتا ولا حياة، بل هو في تصرف الله الذي بيده الخير والشر، والنفع والضر، والغنى والفقر.
وكل نعمة هي هبة من ربه، وما حرم منه احتسب عند ربه أجره، وما عند الله خير وأبقى.
واد لم يعد للمادة قيمة عند المؤمنين، فان أسباب الضغن والحقد تزول، ويصبحون بنعمته اخوانا، ولا يبقى في نفوسهم غل، وحسد، ورين (3).