ثم جاءت فئة، ففرقوا القوم عن رسول الله (ص).
2 - أبو دجانة:
وقد تقدم: أن أبا دجانة كان أول عائد مع عاصم بن ثابت، وقد ترس على رسول الله (ص)، وصار يقيه بنفسه من وقع السهام، وهو منحن عليه لا يتحرك، حتى كثر في ظهره النبل، حتى استحق أن يعطيه رسول الله (ص) سيفا، ويمنعه غيره ممن فر، إهانة لهم، وتكريما له.
وما ذلك الا لان الاسلام ونبي الاسلام، لا يضيعان عمل عامل، أيا كان، ومهما كان. ولا يهتم هذا الدين، وهذا النبي (ص) للدعاوى الفارغة التي يطلقها هذا أو ذاك، وانما يهتمان بتقييم الانسان على أساس ما يقدمه على صعيد الواقع، ونفس الامر.
وأبو دجانة قد تعرض للامتحان ونجح فيه. أما غيره، فقد أثبت الامتحان عدم جدارته، أو استحقاقه لما يعد نفسه له ممن يتستر خلف دعاوى فارغة لا أكثر ولا أقل، حتى إذا جد الجد رأيته يتعجل الهزيمة، ويكون أبطأ من غيره في العودة، أو لا يعود أصلا الا بعد حسم الموقف.
فكان لابد من اعطاء الضابطة للمسلمين جميعا، وافهامهم: أن الاسلام واقعي بالدرجة الأولى، وان مصب اهتماماته هو المضمون والمحتوى. وانه يقيم الانسان على أساس أعماله، لا على أساس دعاواه وأقواله، ولا على أسس أخرى، ربما لا يكون له خيار فيها في كثير من الأحيان.
فطلحة، وسعد، وأبو بكر، وعمر، والزبير، وعثمان الخ أ وان كانوا من المهاجرين الذين ربما يعطون أو يعطيهم الناس امتيازا لذلك، وان كانوا قرشيين، وكان لهم بالنبي (ص) صلة من نوع ما بسبب أو نسب. الا أن كل ذلك إذا لم يكن معه الاخلاص، وإذا لم يكن الله ورسوله، وجهاد في سبيله أحب إليهم من كل شئ حتى من أنفسهم، فإنه يبقى منحصرا