بفتوى المعظم هو اختصاص ذلك بالحال المزبور الموافق لقاعدة الاحتياط، بل قد يقوى الظن بإرادة بيان أصل مشروعية الاحرام منها وأنها أحد المواقيت في الجملة في النصوص المزبورة، فلا معارضة حينئذ، نعم قد يقال بالتخيير في الحال المزبور بين تأخير الاحرام إليها وبين الاحرام من المسجد مع فعل ما يضطر إليه والفداء عنه كما نص عليه في المسالك.
ثم لا يخفى عليك أن الاختصاص بالضرورة مع المرور على الميقات الأول وإلا فلو عدل عن طريقه ولو من المدينة في الابتداء جاز وأحرم منها اختيارا لأنها أحد الوقتين، وما في خبر إبراهيم بن عبد الحميد (1) سأل الكاظم عليه السلام (عن قوم قدموا المدينة فخاف أكثرهم البرد وكثرة الأيام وأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها فقال: لا - وهو مغضب - من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلا من المدينة) محمول على ضرب من الكراهة.
بل الظاهر جواز الاحرام منها أيضا لو أخر عنه بعد المرور عليه إلى ميقات آخر اختيارا وإن أثم بذلك، للنهي عن مجاوزة الميقات بلا إحرام من غير علة، وفاقا لصريح جماعة، لصدق الاحرام من الميقات الذي هو وقت لكل من يمر عليه، وإن كان آثما بعدم إحرامه أولا عند المرور على الأول، إلا أن ذلك لا يخرجه عن صدق اسم المرور على الثاني، مضافا إلى إطلاق نفي البأس عن الاحرام منه، وتقييد الحكم التكليفي لا يقتضي تقييد الحكم الوضعي المستفاد من ظاهر النصوص، ومن هنا قال بعض الناس أنه ينبغي القطع بذلك، فما وقع من بعض المتأخرين من احتمال عدم المشروعية له بل ظاهر آخر الميل إلى العدم في غير محله.