الثالث: أنه من الواضح أنه يصح إتيان الطهارات الثلاث بقصد أمرها الغيري من دون التفات إلى رجحانها النفسي، بل يكون مغفولا عنه بالنسبة إلى أغلب الناس، فكيف يكون هو المحقق لعباديتها؟! كما لا يخفى.
وأجاب عن الإشكال بعض الأعاظم - كما في تقريراته - بما ملخصه أنه كما تكون الطهارات الثلاث بوصف عباديتها مقدمة للصلاة فكذلك تكون ذواتها مقدمة لها أيضا بمعنى أن لها الدخل في إيجاد الصلاة.
وبعبارة أخرى: الأمر الغيري المتعلق بها متقربا بها إلى الله تعالى ينبسط على أجزاء متعلقه كانبساط الأمر النفسي على أجزاء الواجب، فينحل إلى أوامر غيرية ضمنية، وحينئذ فتكون ذوات الأفعال في الطهارات الثلاث مأمورا بها بالأمر الضمني من ذلك الأمر الغيري، وإذا أتى بها بداعي ذلك الأمر الضمني يتحقق ما هو المقدمة، أعني الأفعال الخارجية المتقرب بها، وبذلك يسقط الأمر الضمني المتوجه إلى القيد بعد فرض كونه توصليا، لحصول متعلقه قهرا بامتثال الأمر الضمني المتعلق بذات الفعل (1). انتهى ملخصا.
أقول: يرد عليه: أنه كيف يكون الأمر الغيري مصححا للعبادية؟! بعدما عرفت من أنه لا يكون صالحا للداعوية أصلا، فإنه لا يكون الغرض منه إلا مجرد التوصل إلى حصول ذي المقدمة، فمتعلقه لا يكون إلا واجبا توصليا، وعلى تقدير كونه داعيا فهو إنما يدعو إلى متعلقه، لحصول المأمور به بالأمر النفسي، ولا يكفي ذلك في العبادية، فإشكال لزوم الدور وإن كان يرتفع بما ذكر إلا أن ما هي العمدة في المقام من الإيراد - وهو أنه كيف يكون الأمر الغيري مصححا لعبادية متعلقه؟! - يبقى على حاله.