وأما بناء على الوجه الأخير: فلا يخفى أنه لو قلنا بثبوته في الواجبات النفسية ولكن لا نسلم ترتبه على الواجبات الغيرية، لأنه لا إشكال في أن الثواب والعقاب إنما يترتبان على الإطاعة والمعصية، والامتثال والمخالفة، والأمر الغيري بعيد منهما بمراحل، لأنه لا يصلح للتحريك والداعوية أصلا، فإن المكلف إما أن يريد امتثال الأمر المتعلق بذي المقدمة بمعنى أنه صار داعيا له ومحركا إلى الإتيان بها، وإما أن لا يريد الامتثال أصلا.
فعلى الأول يأتي بالمقدمة بعدما رأى توقف الإتيان بذي المقدمة عليها، ولو لم يكن الأمر الغيري متعلقا بها أصلا، فالإتيان بالمقدمة في هذه الصورة ليس لإطاعة الأمر الغيري وتحريكه المكلف إلى متعلقه، بل الإتيان به لتوقف المطلوب النفسي عليه.
وعلى الثاني لا يكون الأمر النفسي بالنسبة إليه داعيا فضلا عن الأمر الغيري.
وبالجملة فوجود الأمر الغيري وعدمه متساويان في الصورتين، فلا يكون له إطاعة حتى يترتب على فعله الثواب وعلى تركه العقاب، كما هو واضح.
وتوهم: وجود الفرق بنظر العقل بين العبد الذي يأتي بمقدمات العمل ثم يعرضه بعض الموانع عن الإتيان بذي المقدمة - كالموت أو النسيان أو غيرهما من الموانع - وبين العبد الذي لا يأتي بمقدمة أصلا ثم يعرض له بعض تلك الموانع ويمنعه عن الإتيان بالمقدمة وذيها معا (1).
يدفعه أن ثبوت الفرق وإن كان بديهيا إلا أنه لا يوجب الفرق في المقام، فإن كلامنا إنما هو في استحقاق الثواب والعقاب على فعل الواجب الغيري وتركه