عنوان الحسد والطيرة، فإنه لا يكون طريقا إلى شئ آخر، بل المتبادر منه إنما هو نفس عنوانه. ويدل على ذلك: التعبير عن الخطأ في الرواية المتقدمة بكلمة " ما أخطأوا ". هذا، ويمكن أن يكون الوجه في التعبير بالخطأ والنسيان في الحديث هو متابعة الآية الشريفة، من حيث إنه قد عبر فيها بالنسيان والخطأ.
وبالجملة: لا ينبغي الإشكال في أن المراد بالخطأ والنسيان في الحديث ليس ظاهرهما، بل المراد هو ما أخطأوا وما نسوا، وحينئذ فيصير مطابقا لمثل " ما لا يعلمون " ونظائره.
ثم إن ظاهر الحديث هو اختصاص رفع هذه الأمور بهذه الأمة، مع أن المؤاخذة على الخطأ والنسيان وما لا يعلمون وأشباهها مرفوعة عقلا، ولا اختصاص له بهذه الأمة، ولكن هذا الإيراد إنما يرد بناء على أن يكون المرفوع هو المؤاخذة، وقد عرفت أن المصحح لإسناد الرفع إلى الأمور المذكورة في الحديث إنما هو كونها مرفوعة بجميع آثارها. وعلى تقدير أن يكون المرفوع هو خصوص المؤاخذة يمكن أن يقال بمنع استقلال العقل بقبح المؤاخذة على هذه الأمور بقول مطلق، فإنه لا يقبح المؤاخذة على الخطأ والنسيان الصادرين من ترك التحفظ، كما لا يخفى.
ثم إن مقتضى كون الحديث امتنانا على العباد ليس إلا مجرد رفع الأحكام والآثار عن تلك الأمور المذكورة فيما إذا وقعت تلك الأمور اتفاقا، فهو بصدد رفع الكلفة والمشقة على العباد، وحينئذ فلا دلالة له على رفع الحكم فيما إذ أوقع المكلف نفسه اختيارا في الاضطرار إلى ترك واجب أو فعل محرم أو شرب دواء - مثلا - اختيارا، فذهبت منه القدرة على فعل المأمور به وأشباه ذلك، كما هو واضح جدا.