جريان الاستصحاب؟!
وما قرع سمعك من أن الاستصحاب يكون حاكما على القاعدة المضروبة لحال الشك فإنما هو فيما إذا كان ما يثبته الاستصحاب مغايرا لما تثبته القاعدة (1)، انتهى ملخصا.
أقول: والتحقيق أن يقال: إنه قد ظهر من مطاوي ما ذكرنا أن هنا عناوين ثلاثة، قد وقع الخلط بينها في الكلمات التي نقلناها عن الأعلام:
أحدها: القول بغير علم الذي يدل على حرمته الآية والرواية والعقل، ومن الواضح أن الموضوع فيه إنما هو نفس الشك وعدم العلم.
ثانيها: البدعة والتشريع، بمعنى إدخال ما ليس من الدين في الدين، وإظهار أنه منه، وهذا أمر واقعي لا ربط له بعلم المكلف وجهله، فإن المكلف قد يدخل في الدين ما لا يكون باعتقاده منه، مع أنه كان في الواقع من الدين، فهذا لا يكون تشريعا، ولا يعاقب عليه حينئذ. نعم، لو قلنا باستحقاق المتجري للعقاب يترتب عليه عقوبته، وقد يدخل في الدين ما يكون باعتقاده منه، مع أنه ليس في الواقع منه، فهذا تشريع واقعا، ولكن المكلف معذور في ارتكاب هذا الحرام، لجهله به.
ثالثها: عنوان الكذب الذي هو أعم من البدعة، إذ تختص هي بما إذا ادخل في الدين والشريعة أو نقص منه، والأول أعم منها ومن الكذب في غير الأحكام الشرعية. ولا يخفى أن الكذب أيضا عنوان واقعي، لأنه ليس إلا مخالفة القول للواقع، لا للاعتقاد، فقد يتحقق مع اعتقاد خلافه، وقد لا يتحقق مع اعتقاد ثبوته.