العقل يحكم بحسن عقاب المولى للعبد الذي خالف أحكامه من أوامره ونواهيه.
إنما الإشكال في أن الجرأة على المولى وهتك حرمته - الذي يكون قبيحا عقلا بلا ريب - هل يوجب استحقاق العقوبة أم لا. ولا يتوهم الملازمة بين القبح العقلي واستحقاق العقوبة، ضرورة أن أكثر ما يحكم العقل بقبحه لا يترتب عليه إلا مجرد اللوم والذم. ألا ترى أن ترجيح المرجوح على الراجح قبيح، مع أنه لا يستحق المرجح بسببه العقوبة أصلا، كما هو واضح لا يخفى.
فمجرد حكم العقل بقبح شئ لا يوجب استحقاق الفاعل للعقوبة، وحينئذ فإن قلنا بترتب العقوبة على مجرد الجرأة على المولى فاللازم هو الالتزام بثبوت العقوبتين في صورة العصيان، ولا وجه للتداخل، بعد كون كل من المخالفة العمدية والجرأة على المولى سببا مستقلا لثبوت العقاب، ولم نعثر على من يقول بذلك، فيستكشف منه أن الجرأة على المولى التي يشترك فيها العاصي والمتجري لا يوجب العقاب أصلا. نعم، يختص العاصي بالمخالفة العمدية التي هي السبب في الاستحقاق.
فانقدح من ذلك: أنه لا يترتب على مجرد التجري استحقاق للعقوبة أصلا.
نعم، لو قلنا بأن الجرأة على المولى لها صورة برزخية، وأثر في النفس يظهر في عالم الغيب، ويكون ملازما للإنسان، كما أنه يتجسم الأعمال الصالحة والقبيحة بصورها الملكوتية، وترى كل نفس عين عمله، كما قال الله تعالى:
* (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء) * (1)، وقال