المسألة مما احتمل قريبا أن يكون وجه ذهاب الجل لولا الكل، هو اعتقاد أنه مما اتفق عليه العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها.
والمتيقن من ذلك إنما هو فيما إذا كان الرجوع يوجب الوثوق (1) والاطمئنان، ولا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالأوضاع، بل لا يكون اللغوي من أهل خبرة ذلك، بل إنما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال، بداهة أن همه ضبط موارده، لا تعيين أن أيا منها كان اللفظ فيه حقيقة أو مجازا، وإلا لوضعوا لذلك علامة، وليس ذكره أولا علامة كون اللفظ حقيقة فيه، للانتقاض بالمشترك.
وكون موارد الحاجة إلى قول اللغوي أكثر من أن يحصى، لانسداد باب العلم بتفاصيل المعاني غالبا، بحيث يعلم بدخول الفرد المشكوك أو خروجه، وإن كان المعنى معلوما في الجملة لا يوجب اعتبار قوله، ما دام انفتاح باب العلم بالاحكام، كما لا يخفى، ومع الانسداد كان قوله معتبرا إذا أفاد الظن، من باب حجية مطلق الظن، وإن فرض انفتاح باب العلم باللغات بتفاصيلها فيما عدا المورد.
نعم لو كان هناك دليل على اعتباره، لا يبعد أن يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات موجبا له على نحو الحكمة لا العلة.
لا يقال: على هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة.
فإنه يقال: مع هذا لا تكاد تخفى الفائدة في المراجعة إليها، فإنه ربما يوجب القطع بالمعنى، وربما يوجب القطع بأن اللفظ في المورد ظاهر في معنى - بعد الظفر به وبغيره في اللغة - وإن لم يقطع بأنه حقيقة فيه أو مجاز، كما اتفق كثيرا، وهو يكفي في الفتوى.