ثم إنك عرفت أن معنى المطلق هو خلو المعنى عن القيد، سواء كان كليا أو جزئيا، وحينئذ فتخصيص المطلق باسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني - كما أفاده في الكفاية - في غير محله، لأن النكرة بالمعنى الأول - الذي هو أمر جزئي - مطلقة، كما في سائر الجزئيات، فإن قوله: أكرم زيدا، مطلق من حيث عدم تقييد زيد بالجائي أو بغيره من القيود، كما أنك عرفت أن لفظ المطلق لا يحكي إلا عن نفس الطبيعة، وهي لا يعقل أن تكون مرآة للأفراد والخصوصيات، ومعنى إطلاقها من حيث تعلق الحكم بها هو كون تمام المتعلق للحكم المجعول هي نفسها من غير مدخلية شئ آخر فيها، وهذا المعنى يستفاد من فعل المتكلم حيث إنه إذا كان بصدد بيان متعلق حكمه وكان مختارا في التكلم فهذا دليل بنظر العقل على أن المذكور تمام المتعلق، وليس ذلك من قبيل الدلالات اللفظية، بل هو من الدلالات العقلية، كدلالة التكلم على كون مدلول الكلام مقصودا للمتكلم، وحينئذ فيظهر لك أن إثبات الإطلاق بضميمة مقدمات الحكمة أو بغيرها ليس يرجع إلى إثبات الشياع والسريان، كما ذكره في الكفاية حيث قال: إن الشياع والسريان - كسائر طوارئ الطبيعة - يكون خارجا عما وضع له لفظ المطلق، فلابد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة (1)، فإن ظاهره أن جريان مقدمات الحكمة يفيد الشياع والسريان، مع أن مفادها ليس إلا كون المذكور تمام الموضوع، ولا مدخلية لشئ آخر فيه.
(٣٤٩)